بدائع الفوائد (صفحة 901)

كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم أول من بين العلل الشرعية والمآخذ والجمع والفرق والأوصاف المعتبرة والأوصاف الملغاة وبين الدور والتسلسل وقطعهما فانظر إلى قوله سئل عن البعير يجرب فتجرب لأجله الإبل فقال " من أعدى الأول" كيف اشتملت هذه الكلمة الوجيزة المختصرة البينة على إبطال الدور التسلسل وطالما تفيهق الفيلسوف وتشدق المتكلم وقرب ذلك بعد اللتيا والتي في عدة ورقات فقال: من أوتى جوامع الكلم فمن أعدى الأول ففهم السامع مع هذا أن اعداء الأول إن كان من اعداء غيره له فإنه لم ينته إلى غاية فهو التسلسل في المورثات وهو باطل بصريح العقل وإن انتهى إلى غاية وقد استفادت الجرب من اعداء من جرب به له فهو الدور الممتنع.

وتأمل قوله في قصة ابن اللتبية "أفلا جلس في بيت أبيه وأمه وقال: هذا أهدى لي" كيف يجد تحت هذه الكلمة الشريفة أن الدوران يفيد العلية والأصولي ربما كد خاطره حتى قرر ذلك بعد الجهد فدلت هذه الكلمة النبوية على أن الهدية لما دارت مع العمل وجودا وعدما كان العمل سببها وعلتها لأنه لو جلس في بيت أبيه وأمه لانتفت الهدية وإنما وجدت بالعمل فهو علتها.

وتأمل قوله: اللقطة وقد سئل عن لقطة الغنم فقال: "إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" فلما سئل عن لقطة الإبل غضب وقال: "ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجرة" ففرق بين الحكمين باستغناء الإبل واستقلالها بنفسها دون أن يخاف عليها الهلكة في البرية واحتياج الغنم إلى راع وحافظ وإنه إن غاب عنها فهي عرضة للسباع بخلاف الإبل فهكذا تكون الفروق المؤثرة في الأحكام لا الفروق المذهبية التي إنما يفيد ضابط المذهب وكذلك قوله في اللحم الذي تصدق به على بريرة " هو عليها صدقة ولنا هدية" ففرق في الذات الواحدة وجعل لها حكمين مختلفين باختلاف الجهتين إذ جهة الصدقة عليها غير جهة الهدية منها وكذلك الرجلان اللذان عطسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فلما سئل عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015