ينقصه النص الآخر".
وهذا مثل حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يضحى ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا" مع حديث عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم نبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم " والناس في هذا على ثلاثة أقوال منهم من يسوى بين الهدى والأضحية في المنع ويقول إذا بعث الحلال هديا صار محرما ولا يحل حتى ينجر كما روى عن ابن عباس وغيره ومنهم من يسوى بينهما في الأذن ويقولك بل المضحى لا يمنع عن شيء كما لا يمنع باعث الهدى فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر وفقهاء الحديث كيحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وغيرهما عملوا بالنصين ولم يقيسوا أحدهما على الآخر وكذلك عند أحمد وغيره من فقهاء الحديث لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الناس قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا ثم لما افتتحوا الصلاة قياما أتمها بهم قياما فعمل بالحديثين ولم يقس على أحدهم قياسا ينقص الآخر ويجعله منسوخا كما فعل غيره.
قلت: وكذلك فعل في حديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبل وترك الوضوء مما مست النار عمل بهما ولم يقس على أحدهما قياسا يبطل الآخر ويجعله منسوخا وكذلك فعل في أحاديث المستحاضة ونظائرها ثم القائلون بالاستحسان منهم من يقول هو ترك الحكم إلى حكم أولى منه ومنهم من يقول هو أولى القياسين.
وقال القاضي: "الحجة التي نرجع إليها في الاستحسان هي الكتاب تارة والسنة تارة والإجماع تارة والاستدلال يترجح بعض الأصول على بعض فالاستحسان لأجل الكتاب كما في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر إذا لم يجد مسلما ومما قلنا فيه بالاستحسان السنة فيمن غصب أرضا وزرعها الزرع لرب الأرض وعلى صاحب الأرض النفقة لحديث رافع بن خديج والقياس أن يكون الزرع لزارعة ومما فيه قلنا بذلك الإجماع جواز سلم الدراهم والدنانير في الموزونات والقياس أن لا يجوز ذلك لوجود الصفة المضمونة إلى الجنس وهي الوزن إلا أنهم استحسنوا