مطهرا بطبعه أنه منظف لمحل التطهير فمسلم ولكن نزاعنا في أمر وراءه، وإن أردتم أنه يفتتح به الصلاة ويرفع المانع الذي جعله الشارع صادا عن الدخول فيها بطبعه من غير اعتبار نيه فدعوى مجردة لا يمكنهم تصحيحها ألبته بل هي بمثابة قول القائل: استعماله عبادة بمجرد طبعه فحصول التعبد والثواب به لا يحتاج إلى نية وهذا بين البطلان وهذا حرف المسألة وهو أن التعبد به مقصود وهو متوقف على النية والمقدمتان معلومتان مغنيتان عن تقدير.
وقد أجابهم بعض الناس بان منع أن يكون في الماء قوة أو طبع وقال هذا مبني على إثبات القوى والطبائع في المخلوقات وأهل الحق ينكرونه.
وهذا جواب فاسد يرغب طالب الحق عن مثله وهو باطل طبعا وحسا وشرعا وعقلا وأهل الحق هم المتبعون للحق أين كان والقرآن والسنة مملوءان من إثبات الأسباب والقوى والعقلاء قاطبة على إثباتها سوي طائفة من المتكلمين حملهم المبالغة في إبطال قول القدرة والنفاة على إنكارها جملة.
والذي يكشف سر المسألة أن التبريد والري والتنظيف حاصل بالماء ولو لم يرده وحتى لو أراد أن لا يكون وأما التعبد لله بالوضوء فلا يحصل إلا بنية التعبد فقياس أحد الأمرين على الآخر من أفسد القياس فالحاصل بطبع الماء أمر غير التعبد الذي هو مقوم لحقيقة الوضوء الذي لا يكون وضوءا إلا به وبهذا خرج الجواب عن قولهم إن عمله في رفع الخبث لم يتوقف على نية فان لا يتوقف رفعه للحدث أولى فإن رفع الخبث أمر حسي مشاهد لا يستدعي أن يكون رافعة من أهل العبادة بل هو بمنزلة كنس الدار وتنظيف الطرقات وطرح المميتات والخبائث.
نوضحه إن زوال النجاسة لا يفتقر إلى فعل من المكلف البتة بل لو أصابها المطر فأزال عينها طهر المحل بخلاف الطهارة من الخبث فإن الله أمر بأفعال متميزة لا يكون المكلف مؤديا ما أمر به إلا بفعلها الاختياري الذي هو مناط التكليف وبهذا خرج الجواب عن قولهم النية إن اعتبرت لجريان الماء على الأعضاء أو لحصول الوضاءة لم يفتقر إلى نية إلى آخره.
قولهم: الشريعة قسمت الأفعال إلى قسمين: