إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها.
فعلم بهذا أن التلفط بها عبث محض فتأمل هذه النكتة البديعة والمقصود أن مثل هذه الأفعال المرتبة التي لا تقع إلا عن علم وقصد لا تكون إلا منوية وهذا بخلاف الاغتسال مثلا فإنه قد يقع لتنظيف أو تبريد ونحوهما فإن لم يقصد به رفع حدثه لم يكن منويا وكذلك أفعال الصلاة المرتبة التي يتبع بعضها بعضا لا تقع إلا منوية ولو تكلف الرجل أن يصلى أو يتوضأ بغير نية لتعذر عليه ذلك بل يمكن تصوره فيما إذا قصد تعليم غيره ولم يقصد العبادة أو صلى وتوضأ مكرها وأما عاقل مختار عالم بما يفعله يقع فعله وفق قصده فهذا لا يكون إلا منويا، فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان: أحدهما أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره والنية لا تتعلق إلا بنفسه فلا يتصور أن ينوى الرجل فعل غيره ويتصور أن يقصده ويريده، الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعل مقدور يقصده الفاعل وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي في ماله ربه ويصل فيه رحمة ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل عند الله وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما ذلك شر منزلة عند الله " ثم قال: "وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وهما في الوزر سواء". فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه بخلاف القصد والإرادة فإنما لا يتعلقان بالمعجوز عنه لا من فعله ولا من فعل غيره وإذا عرف حقيقة النية ومحلها من الإيمان وشرائعه تبين الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بعلم وإنصاف.
ولنذكر كلامهم وما فيه من مقبول ومردود فأما قولهم: إن الماء خلق بطبعه مبردا ومرويا وسائلا ومطهرا وحصول هذه الآثار منه لا تفتقر إلى نية إلى آخره. فيقال: إن أردتم بكونه