بدائع الفوائد (صفحة 641)

هجم عليه سبع على حرف نهر جار عميق وهو لا يحسن السباحة فإنه لا محالة يتحرك نحو الماء راميا نفسه لأجل إلجاء السبع له وهجومه عليه فلو هجم عليه من قبل وجهه سبع فالتفت فإذا وراءه سبع آخر وهما متساويان في الهجوم عليه لم يبق للطبع مهرب وتوازنت المكروهات فإنه يقف مستسلما صامدا للبلاء وكذلك تكافؤ كفة الميزان".

قلت: هذا صحيح من جهة الوهم والدهش وإلا فلو كان عقله حاضرا معه لتكافأ عنده الأمران المحسوس والمعلوم وكثيرا ما يحضر الرجل عقله إذ ذاك فيتكافأ عنده المحسوس والمعلوم فيستسلم لما لا صنع له فيه ولا يعين على نفسه ويحكم عقله على حسه ويعلم أنه أن صبر كان له أجر من قتل ولم يعن على نفسه وإن ألقى في الهلاك لم يكن من هذا الأجر على يقين بل ولا يستلزم ذلك للإيمان بالثواب بل إذا تصور حمد الناس له على صبره وعدم جزعه بإلقاء نفسه في الهلاك هربا مما لا بد له منه رأى الصبر أحمد عاقبة وأنفع له أجلا فمحكم العقل يقدم الصبر ومحكم الحس يهرب من التلف إلى التلف فليست الطباع هذا متكافئة والله أعلم.

فائدة:

يذكر عن كعب قال: "قرأت في بعض كتب الله تعالى الهدية تفقأ عين الحكم".

قال ابن عقيل: "معناه أن المحبة الحاصلة للمهدي إليه وفرحته بالظفر بها وميله إلى المهدي يمنعه من تحديق النظر إلى معرفة باطل المهدي وأفعاله الدالة على أنه مبطل فلا ينظر في أفعاله بعين ينظر منها إلى من لم يهد إليه" هذا معنى كلامه.

قلت: وشاهده الحديث المرفوع الذي رواه أحمد في مسنده: "حبك الشيء يعمى ويصم" فالهدية إذا أوجبت له محبة المهدي ففقأت عين الحق وأصمت أذنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015