فائدة:
اعترض نفاة المعاني والحكم على مثبتيها في الشريعة بأن قالوا الشرع قد فرق بين المتماثلات فأوجب الحد بشرب الخمر ولم يحد بشرب الدم والبول وأكل العذرة وهي أخبث من الخمر وأوجب قطع اليد في سرقه ربع دينار ومنع قطعها في نهبه ألف دينار وأوجب الحد في رمي الرجل بالفاحشة ولم يوجبه في رميه بالكفر وهو أعظم منه ولم يرتب على الربا حدا مع كونه من الكبائر ورتب الحد على شرب الخمر والزنا وهما من الكبائر.
فأجاب المثبتون بأن قالوا: هذا مما يدل على اعتبار المعاني الحكم ونصب الشرع بحسب مصالح العباد فإن الشارع ينظر إلى المحرم مفسدته ثم ينظر إلى وازعه وداعية فإذا عظمت مفسدته رتب عليها من العقوبة بحسب تلك المفسدة ثم إن كان في الطباع التي ركبها الله تعالى في بني آدم وازعا عنه اكتفى بذلك الوازع عن الحد فلم يرتب على شرب البول والدم والقيء وأكل العذرة حدا لما في طباع الناس من الامتناع عن هذه الأشياء فلا تكثر مواقعتها بحيث يدعو إلى الزجر بالحد بخلاف شرب الخمر والزنا والسرقة فإن الباعث عليها قوي فلولا ترتيب الحدود عليها لعمت مفاسدها وعظمت المصيبة بارتكابها، وأما النهبة فلم يرتب عليها حدا إما لأن بواعث الطباع لا تدعوا إليها غالبا خوف الفضيحة والاشتهار وسرعة الأخذ وإما لأن مفسدتها تندفع بإغاثة الناس ومنعهم المنتهب وأخذهم على يده. وأما الربا فلم يرتب عليها حدا فقيل لأنه يقع في الأسواق وفي الملأ فوكلت إزالته إلى إنكار الناس بخلاف السرقة والفواحش وشرب الخمر فإنها إنما تقع غالبا سرا فلو وكلت إزالته إلى الناس لم تزل وأحسن من هذا أن يقال لما كان المرابي إنما يقضي له برأس ماله فقط فإن أخذ الزيادة