بدائع الفوائد (صفحة 614)

لنجردنك" وهل تقتضي محاسن الشريعة الكاملة إلا هذا وهل يشك أحد في أن كثيرا من القرائن تفيد علما أقوى من الظن المستفاد من الشاهدين بمراتب عديدة فالعلم المستفاد من مشاهدة الرجل مكشوف الرأس وآخر هارب قدامه وبيده عمامة وعلى رأسه عمامة فالعلم بأن هذه عمامة المكشوف رأسه كالضروري فكيف تقدم عليه اليد التي إنما تفيد ظنا ما عند عدم المعارضة وأما مع هذه المعارضة فلا تفيد شيئا سوى العلم بأنها يد عادية فلا يجوز الحكم بها البتة ولم تأت الشريعة بالحكم لهذه اليد وأمثالها البتة. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع اللقطة إلى واصفها، وقد نص أحمد على اعتبار الوصف عند تنازع المالك والمستأجر في الدفين في الدار وهذه من محاسن مذهبه ونص على البلد يفتح فيوجد فيه أبواب مكتوب عليها بالكتابة القديمة أنها وقف أنه يحكم بذلك لقوة هذه القرينة وهل الحكم بالقافة إلا حكم بقرينة الشبه وكذلك اللوث في القسامة حتى أن مالكا وأحمد في إحدى الروايتين يقيدان بها وهو الصواب الذي لا ريب فيه وكذلك الحكم بالنكول إنما هو مستند إلى قوة القرينة الدالة على أن الناكل غير محق وبالجملة فالبينة اسم لكل ما يبن الحق ومن خصها بالشاهدين دعواه والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرهما من أنواع البينة قد تكون أقوى منهما وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي" المراد به بيان ما يصحح دعواه الشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد تكون أقوى منهما كدلالة الحال على صدق المدعى فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد. والبينة والحجة والدلالة والبرهان والآية والتبصرة كالمترادفة لتقارب معانيها والمقصود أن الشرع لم يلغ القرائن ولا دلالات الحال بل من استقرأ مصادر الشرع وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار مرتبا عليها الأحكام.

وقول ابن عقيل: "ليس هذا فراسة" يقال ولا ضير في تسميتة فراسة فإنها فراسة صادقة وقد مدح الله سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015