استقر ذكره في السماوات والأرض الغيب إلا الله ثم حذف الفعل والمضاف واستتر المضمر لكونه مرفوعا وهذا على تسليم امتناع إرادة الحقيقة والمجاز في حال واحد وليس عندي ممتنعا لقولهم القلم أحد اللسانين والخال أحد الأبوين وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة يد الله ويد المعطى ويد السائل" تم كلامه.
فهذا كلام هذين الفاضلين في هذه الآية وأنت ترى ما فيه من التكلف الظاهر الذي لا حاجة بالآية إليه بل الأمر فيها أوضح من ذلك الصواب في الاستثناء في هذه الآية والصواب أن الاستثناء متصل وليس في الآية استعمال اللفظ في حقيقة ومجازة لأن من في السموات والأرض ههنا أبلغ صيغ العموم وليس المراد بها معينا فهي في قوة أحد المنفي بقولك: لا يعلم أحد الغيب إلا الله وأتى في هذا بذكر السموات والأرض أحد المنفي بقولك: لا يعلم أحد الغيب إلا الله وأتى في هذا بذكر السموات والأرض تحقيقا لإرادة العموم والإحاطة فالكلام مؤد معنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله وإنما نشأ الوهم في ظنهم أن الظرف ههنا للتخصيص والتقييد وليس كذلك بل لتحقيق الاستغراق والإحاطة فهو نظير الصفة في قوله تعالى: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} فإنها ليست للتخصيص والتقييد بل لتحقيق الطيران المدلول عليه بطائر فكذلك قوله: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض} لتحقيق الاستغراق المقصود بالنفي ومن تأمل الآية علم أنه لم يقصد بها إلا ذلك وقد قيل أنه لا يمتنع أن يطلق عليه تعالى أنه في السموات كما أطلقه على نفسه وأطلق عليه رسوله قالوا ولا يلزم أن يكون هذا الإطلاق مجاز بل له منه الحقيقة التي تليق بجلاله ولا يشابهه فيها شيء من مخلوقاته وهذا كما يطلق عليه أنه سميع بصير عليم قدير حي مريد حقيقة ويطلق ذلك على خلقه حقيقة والحقيقة المختصة به لا تماثل الحقيقة التي لخلقه فتناول الإطلاق بطريق الحقيقة لهما لا يستلزم تماثلهما حتى يفر منه إلى المجاز.
وأما قوله: "إن الظرف متعلق بفعل غير استقر من الأفعال المنسوبة إلى الله وإلى المخلوقين حقيقة كذكر ويذكر" إلى آخره فيقال: حذف عامل الظرف لا يجوز إلا إذا كان كونا عاما أو استقرارا