قولهم: بدا ظهر للقلب لا للعين، وإذا ظهر الشيء للقلب فقد علم والمجرور من قوله: (لهم) هو الفاعل فلما حصل معنى العلم وفاعله مقدما على الجملة المؤكدة باللام صارت الجملة مفعولا لذلك العلم كما تقول: علمت ليقومن زيد ولام الابتداء وألف الاستفهام يكون قبلها أفعال القلب ملغاة فكذلك: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} رفعت الجملة الاستفهامية في المعنى بعد فعل من أفعال القلب وبعد فاعله كما تقدم بيان ذلك حين قدرناه بقولك لا يبالون فالواو في يبالون هو الفاعل والضمير في عليهم هو الفاعل في المعنى إلا ترى كيف اختص ب على من بين حروف الجر لأن المعنى إذا كان يرجع إلى عدم المبالاة فقد هان عليك الأمران وصار أخف شيء على من لا يبالهما ويلتفت إليهما فتأمله تجد المعاني صحيحة والفوائد كثيرة مزدحمة تحت هذا اللفظ الوجيز فلذلك نبت عنه كثير من الأفهام حتى تناقضت عليهم الأصول التي أصلوها واضطربوا في الجواب عن الاعتراضات التي التزموها مع ما غاب عنهم من فوائد هذه الآيات وإعجازها وسمانه هذه الكلمات على إيجازها" ثم قال:
فصل: فإن قيل ما بال الاستفهام في هذه الجملة والكلام خبر محض؟ قلنا الاستفهام مع أم يعطي معنى التسوية فإذا قلت أقام زيد أم قعد فقد سويت بينهما في علمك فهذا جواب فيه مقنع وأما التحقيق في الجواب فأن تقول ألف الاستفهام لم يخلع منها ما وضعت له ولا عزلت عنه وإنما معناه علمت أقام زيد أم قعد أي علمت ما كنت أقول فيه هذا القول واستفهم عنه بهذا اللفظ فحكيت الكلام كما كان كما كان ليعلم المخاطب ما كان مستفهما عنه معلوم كما تقول قام زيد فترفعه لأنه فاعل ثم تقول ما قام زيد فيبقى الكلام كما كان وتبقى الجملة محكية على لفظها لتدل على أنه ما كان خبرا متوهما عند المخاطب