بدائع الفوائد (صفحة 540)

سبحانه وتعالى حركات الشمس والقمر وما يحدث بسببها من الليل والنهار والشهور والأعوام معيارا يعلم به العباد مقادير حوادث أفعالهم وتاريخها ومعيارها لشدة حاجتهم إلى ذلك في الآجال كالعدد والإجارات والسلم والديون المؤجلة ومعرفة مواقيت الحج والصيام وغيرها فصارت حركة الشمس والقمر تاريخا وتقييدا ومعيار للأفعال والحياة والموت والمولد وغير ذلك. فالزمان إذا عبارة عن مقارنة حادث لحادث مقارنة الحادث من الحركة العلوية للحادث من حركات العباد ومعيارا له ولهذا سماه النحاة ظرفا لأنه مكيال ومعيار يعلم به مقدار الحركة والفعل وتقدمه وتأخره وقربه وبعده وطوله وقصره وانقطاعه ودوامه. فإذا أخبرت أن فعلك قارن ذلك الحادث المعلوم من حركة الشمس والقمر يوقت له ويقيد به فسمي وقتا وهو في الأصل مصدر وقت الشيء أوقته حددته وقدرته حتى لو أمكن أن يقيد ويؤرخ بما يقارن الفعل من الحوادث غير الزمان استغنى عن الزمان نحو قمت عند خروج الأمير وعند قدوم الحاج وعند موت فلان لكن ذلك لا يشترك في علمه ومعرفته كالاشتراك في معرفة يوم الجمعة وشهر رمضان ونحوه ولا يطرد مع أنه أيضا توقيت وتاريخ بالزمان في الحقيقة فإن قولك عند خروج الأمير وقدوم الحاج إنما تريد به هذه الأوقات والأزمنة ولكن المعلوم عند جميع المخاطبين إنما هي أجزاء الزمان كالشهر والسنة واليوم وأبعاض ذلك. وإذا عرف ذلك فلا معنى لقولك زيد اليوم وعمرو غدا لأن الجثث ليست بأحداث فتحتاج إلى تقييدها بما يقارنها وإلى تاريخها بحدث معها فما ليس بحدث لا معنى لتقييده بالحدث الذي هو الزمان. وعلى هذا فإذا أردت حدوث الجثة ووجودها فهو أيضا حادث فيجوز أن يخبر عنه بالزمان إذا كان الزمان يسع مدتها تقول نحن في المائة الثامنة وكان الأوزاعي في المائة الثانية والإمام أحمد في المائة الثالثة ونحو هذا. وعلى هذا إذا قلت الليلة الهلال صح ولا حاجة بك إلى تكليف إضمار الليلة طلوع الهلال فإن المراد حدوث هلال ذلك الشهر فجرى مجرى الأحداث وكذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015