أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] قِيلَ جِمَاعًا وَلَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُنْبِئُ عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ، وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ لِعَدَمِ التَّسَرِّي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْوَطْءُ وَالْوَطْءُ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا بِلَا خِلَافٍ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ فَلَا تَعْتِقُ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لَهَا: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الْحَالِفُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَعْتِقُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَعْتِقُ يَعْنِي بِهِ قِيَاسَ قَوْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ: كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعْتِقُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا.
وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَاهَا صَارَتْ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَدْبِيرَهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي صُورَةُ التَّدْبِيرِ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِالشِّرَاءِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَائِلًا أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي.
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَهُوَ حُرٌّ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِمِلْكٍ يَسْتَفِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ: كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ فَكُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ سَاعَةَ يَشْتَرِيهَا قَالَ: وَإِنْ قَالَ: كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ فَاشْتَرَى جَارِيَةً لَمْ تَعْتِقْ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الشِّرَاءِ فِي السَّنَةِ فَتَعْتِقُ كُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا فِي السَّنَةِ سَاعَةَ الشِّرَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الشِّرَاءِ: أَنْتِ حُرَّةٌ فَتَعْتِقُ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي جَعَلَ الشِّرَاءُ شَرْطًا لِعِتْقٍ مُؤَقَّتٍ بِالسَّنَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ غَدًا فَهَذَا عِنْدِي عَلَى كُلِّ مَمْلُوكٍ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْغَدِ وَإِنْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا غَدًا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشِّرَاءَ شَرْطًا لِزَوَالِ حُرِّيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِوُجُودِ الْغَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَى الْغَدِ لِيَنْزِلَ الْعِتْقُ الْمُؤَقَّتُ بِهِ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً فَهَذَا عَلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِلْكُهُ فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ أَوَّلُهَا: مِنْ حِينِ حَلَفَ بَعْدَ سُكُوتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَكُونُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ تَعَيَّنَ اللَّفْظُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا انْصَرَفَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ إذْ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ أَصْلًا إلَى الِاسْتِقْبَالِ بَلْ هُوَ إيقَاعُ عِتْقٍ عَلَى مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ قَالَ: أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَةً أَوْ فِي سَنَةٍ أَوْ قَالَ: أَمْلِكُهُ أَبَدًا أَوْ إلَى أَنْ أَمُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُسْتَقْبَلُ دُونَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي كُلَّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ سَنَةً أَنْ يَكُونَ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ مُسْتَدَامًا سَنَةً دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَّتَ السَّنَةَ لِاسْتِفَادَةِ الْمِلْكِ لَا لِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ دَخَلَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ كُلِّ عَبْدٍ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ يَوْمَ الدُّخُولِ بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ أَيْ: يَوْمَ الدُّخُولِ.
هَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ يَوْمَ إذَا دَخَلَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ حَذَفَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَ عَنْهُ بِالتَّنْوِينِ فَيَعْتِقُ كُلُّ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ يَوْمَ الدُّخُولِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ وَسَوَاءٌ دَخَلَ الدَّارَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُطْلَقُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] وَهَذَا الْوَعْدُ يَلْحَقُ الْمُوَلِّيَ دُبُرَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْكَلَامِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْكَلَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَتَقَ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ اشْتَرَى مَمَالِيكَ قَبْلَ الْكَلَامِ ثُمَّ كَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَمَا اشْتَرَى بَعْدَهُ يَعْتِقُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي