الْحَقِيقَةِ وَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تَنْجِيزُ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ إلَّا أَنَّهُ تَنْجِيزٌ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَتَعَيَّنُ بِالِاخْتِيَارِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ، وَالثَّانِي لَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْعِتْقِ لَمْ يُعْرَفْ إعْتَاقًا فِي الشَّرْعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اخْتَرْت عِتْقَك لَا يَعْتِقُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَثْبُتَ حَالَ وُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْتَارُ غَيْرَ الْحُرِّ فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ الْحُرِّ إلَى الرَّقِيقِ، أَوْ انْتِقَالِ الرِّقِّ مِنْ الرَّقِيقِ إلَى الْحُرِّ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ وَالثَّانِي غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ضَرُورَةً وَهِيَ أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مَقْصُورًا عَلَى حَالِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْبَيَانِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْبَيَانُ إظْهَارٌ مَحْضٌ وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ: هُوَ إظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ، وَفِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: أَعْتِقْ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسَائِلَ تَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ إظْهَارًا وَإِنْشَاءً؛ إذْ الْإِنْشَاءُ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وَالْإِظْهَارُ إبْدَاءُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنَّهَا فِي الظَّاهِرِ مُتَعَارِضَةٌ: بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى ذَلِكَ إذَا انْتَهَيْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ وَبَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ فَأَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَتَخَرُّجُ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَمَذْكُورَانِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمِلْكُ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ، وَلَا يَصِحُّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الشِّرَاءُ أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا مَعَ بِشْرٍ فَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ لَا يُفِيدُ كَالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ؛ فَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ مَلَكْتُك، وَلَنَا أَنَّ مُطْلَقَ الشِّرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الشِّرَاءِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ، وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى الْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالشِّرَاءِ - وَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ - كَانَ هَذَا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُك شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَعْتِقُ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَعْتِقُ وَلَوْ تَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ بِالْإِجْمَاعِ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى التَّسَرِّي إضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ؛.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ كَالْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ التَّسَرِّيَ لَا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ الْمِلْكِ فَهَذَا مُسَلَّمٌ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّسَرِّي، وَجَوَازِهِ لَكِنْ الْحَالِفُ جَعَلَ وُجُودَهُ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَالتَّسَرِّي نَفْسُهُ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ بِهِ تَعْلِيقًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَصِحَّ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ التَّسَرِّي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ أَنْ يَطَأَهَا وَيُحَصِّنَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ سَوَاءٌ طَلَبَ مِنْهَا الْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: طَلَبُ الْوَلَدِ مَعَ التَّحْصِينِ شَرْطٌ، وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَيُحَصِّنُهَا وَلَا يُقَالُ لَهَا: سَرِيَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَطْلُبُ مِنْهَا الْوَلَدَ أَوْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ.

هَذَا هُوَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ التَّسَرِّي مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السَّرْوِ وَهُوَ الشَّرَفُ فَتُسَمَّى الْجَارِيَةُ سَرِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ أَسْرَى الْجَوَارِي أَيْ: أَشْرَفُهُنَّ وَإِمَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015