الْعِدَّةِ كَمَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بِلِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَتْ كَالْحَرْبِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَالْحَرْبِيَّةِ فَبَطَلَتْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّهَا أَصْلًا فَلَا تَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ عَدَدُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ إنْ أُوقِعَ مُجْتَمِعًا يَقَعُ الْكُلُّ وَإِنْ أُوقِعَ مُتَفَرِّقًا لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا فَقَدْ صَادَفَ الْكُلُّ مَحِلَّهُ - وَهُوَ الْمِلْكُ - فَيَقَعُ الْكُلُّ.

وَإِذَا كَانَ مُفْتَرِقًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ صَادَفَهَا وَلَا مِلْكَ وَلَا عِدَّةَ فَلَا يَقَعُ، وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَسَائِلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَيَلْغُو قَوْلُهُ: ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ كَلَامٌ تَامٌّ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَقَدْ سَبَقَ الْعَدَدُ فِي الذِّكْرِ فَيَسْبِقُ فِي الْوُقُوعِ فَبِينَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْعَدَدُ يُصَادِفُهَا بَعْدَ حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ.

(وَلَنَا) أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْعَدَدَ هُوَ الْوَاقِعُ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَقَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُجْتَمِعًا، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رُبَّمَا يُعَلِّقُ كَلَامَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِصِفَةٍ إلَى وَقْتٍ أَوْ يُلْحِقُ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ صَارَ الْكُلُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَقَعُ الْكُلُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَلَا يَتَقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ وَذَلِكَ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى وُجُودِ آخِرِهِ الْمُغَيِّرِ لَهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَوَّلِهِ حُكْمٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَلَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ التَّطْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَدَمِ الْمَحِلِّ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ وَقَعَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يُفْصَلُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ فِي الْوُقُوعِ.

وَفَائِدَةُ هَذَا لَا تَظْهَرُ فِي التَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَقَعُ إلَّا بَائِنًا سَوَاءً وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ أَمْ لَمْ يَصِفْهُ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: بَائِنٌ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالشَّرْطِ لَا يَقَعُ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالشَّرْطِ فَلَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَيْنِ مَعًا فَيَقَعَانِ مَعًا كَمَا لَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا إيقَاعُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْحَالِ وَإِضَافَةُ طَلْقَةٍ أُخْرَى إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ الْأُخْرَى إلَى الْمَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَأَعْقَبَهَا بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَتْ الْأُولَى وَلَغَتْ الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ.

وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَرَّرَ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ نَجَّزَ أَوْ عَلَّقَ.

فَإِنْ كَرَّرَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَنَجَّزَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ؛ يَقَعُ الْأُولَى وَيَلْغُو الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مُتَفَرِّقًا أَمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ كَلَامٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ مُتَفَرِّقًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيقَاعًا مُتَفَرِّقًا فَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُتَفَرِّقًا فَتَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِالْأُولَى، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُصَادِفُهَا وَلَا مِلْكَ وَلَا عِدَّةَ فَيَلْغُوَا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ خَبَرٌ لَا مُبْتَدَأَ لَهُ فَيُعَادُ الْمُبْتَدَأُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ.

وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ فَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، فَالْأُولَى يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ الصَّحِيحِ وَهُوَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ فِي الْمِلْكِ، وَالثَّانِي يَنْزِلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ تَامٌّ، وَقَوْلُهُ: وَطَالِقٌ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنَّهُ إيقَاعٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَقَدْ صَادَفَ مَحِلَّهُ - وَهُوَ الْمَنْكُوحَةُ - فَيَقَعُ وَيَلْغُو الثَّالِثُ لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بِالْإِيقَاعِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْإِبَانَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مُلْكِهِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015