عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِبَانَةَ النَّاجِزَةَ يَلْحَقُهَا الْإِبَانَةُ بِتَعْلِيقٍ سَابِقٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ.

وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ وَالْمُحَرَّمَةُ قَدْ تَثْبُتُ بِالْإِبَانَةِ وَالْخُلْعِ السَّابِقِ وَتَحْرِيمُ الْمُحَرَّمِ مُمْتَنِعٌ.

وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا حُجَّةُ زُفَرَ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَنَا بَيْنَ الظِّهَارِ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ الْبَائِنَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ وَقَدْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْإِبَانَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ بِالظِّهَارِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يُمْنَعُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَالثَّانِي أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً تَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْإِبَانَةُ تُوجِبُ حُرْمَةً لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ بِالْإِبَانَةِ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ، وَالثَّابِتَةُ بِالظِّهَارِ أَضْعَفَهُمَا فَلَا تَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْأَقْوَى بِخِلَافِ تَنْجِيزِ الْكِنَايَةِ وَتَعْلِيقِهَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إيجَابِ الْبَيْنُونَةِ وَزَوَالِ الْمُلْكِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَفِيمَا قُلْنَا عَمِلَ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَلَوْ خَيَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى لَا يَقَعَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكَ بِلَا مِلْكٍ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي، ثُمَّ أَبَانَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا أَيْضًا حُجَّةُ زُفَرَ، وَالْفَرْقُ لَنَا بَيْنَ التَّنْجِيزِ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الْكِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِشَرْطٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي فَقَدْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ غَدًا، وَلَمَّا أَبَانَهَا فَقَدْ أَزَالَ الْمِلْكَ لِلْحَالِ مِنْ وَجْهٍ وَبَقِيَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْمُلْكُ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ وَيَكْفِي لِلْإِزَالَةِ كَمَا فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدَبُّرِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُهُمَا كَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ التَّنْجِيزَ يُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الِاخْتِيَارِ لَا جَانِبُ التَّنْجِيزِ، وَالتَّعْلِيقُ يُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الْيَمِينِ لَا جَانِبُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّنْجِيزِ وَشَاهِدَانِ بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى شَاهِدَيْ التَّنْجِيزِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شُهُودُ الْيَمِينِ لَا شُهُودُ الدُّخُولِ.

وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّنْجِيزِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْأَةِ لَا تَخْيِيرُ الزَّوْجِ يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا، وَهِيَ مُبَانَةٌ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّعْلِيقِ هُوَ الْيَمِينُ لَا الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا لَا يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ وَالْخُلْعِ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَالثَّابِتُ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ الْأَضْعَفُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَقْوَى، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِحَالٍ؟ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ أَوْ الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةُ الْغَيْرِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ لِظُهُورِ حُكْمِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ.

وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ؛؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، كَمَا لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الطَّلَاقِ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ وَقَدْ زَالَ فَإِنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِلِحَاقِهَا فِي بِدَارِ الْحَرْبِ فَصَارَتْ كَالْمُنْقَضِيَةِ الْعِدَّةَ، فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهَا لِلْحَالِ لِمَانِعٍ وَهُوَ اللَّحَاقُ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَإِنْ عَادَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَظَهَرَ حُكْمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015