ثُبُوتِ حَقِّ الرَّجْعَةِ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِهَا مِنْ غَيْرِ حَقِّ الرَّجْعَةِ.
وَأَمَّا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْغَشَيَانِ فَتَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا إنْ تَرَكَتْ التَّزَوُّجَ مَعَ جَوَازِ التَّزَوُّجِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِدُونِ حَقِّ التَّزَوُّجِ، وَكَذَا تَرْكُ الْغَشَيَانِ مَعَ الْحِلِّ أَوْلَى مِنْ الْغَشَيَانِ مَعَ الْحُرْمَةِ فَإِذَا جَاءَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثَانِيًا، وَتَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي صَامَتْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ وَاجِبًا، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السُّقُوطِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَائِضًا فِيهِ صَحَّ صَوْمُهَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ، فَلَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِالشَّكِّ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ صَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فِيهِ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا لِلْحَالِّ، وَلَا الْقَضَاءِ فِي الثَّانِي.
وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَحَاضَتْ سِتَّةً، ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى سَبْعَةً، ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى سِتَّةً فَعَادَتُهَا سِتَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يُبْنَى الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا يُبْنَى الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهَا.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَلِأَنَّ الْعَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْتَقِلُ إلَّا بِالْمَرَّتَيْنِ فَقَدْ رَأَتْ السِّتَّةَ مَرَّتَيْنِ فَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا إلَيْهَا هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَحَيْضُهَا ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ حَيْضَتَانِ، وَطُهْرَانِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ، وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ سُؤَالًا وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشْرَ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً أَلَيْسَ قَدْ حَاضَتْ فِي شَهْرَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ: إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ طُهْرًا آخَرَ كَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَالشَّهْرُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ، وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَتْ: إنِّي حِضْت فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَيْحٍ مَاذَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ أَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ بِطَانَتِهَا مِمَّنْ يُرْضَى بِدِينِهِ، وَأَمَانَتِهِ قُبِلَ مِنْهَا فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالون، وَهِيَ بِالرُّومِيَّةِ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ شُرَيْحٌ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ النَّفْيِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ ذَلِكَ، وَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] أَيْ: لَا يَدْخُلُونَهَا رَأْسًا.
وَدَمُ الْحَامِلِ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ حَيْضٌ فِي حَقِّ تَرْكِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَحُرْمَةِ الْقُرْبَانِ لَا فِي حَقِّ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لَفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ أَقْبَلَ قُرْؤُك فَدَعِي الصَّلَاةَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالٍ، وَحَالٍ، وَلِأَنَّ الْحَامِلَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً، أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَالْحَامِلُ لَيْسَتْ بِصَغِيرَةٍ، وَلَا آيِسَةٍ فَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إلَّا أَنَّ حَيْضَهَا لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ فَرَاغُ الرَّحِمِ، وَحَيْضُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(وَلَنَا) قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِلدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الرَّحِمِ، وَدَمُ الْحَامِلِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّحِمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ قُرْءٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْءٍ مَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَتَنَاوَلُ حَالَةَ الْحَبْلِ.
(وَأَمَّا) الْمُبْتَدَأَةُ بِالْحَبَلِ، وَهِيَ الَّتِي حَبِلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ إذَا وَلَدَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ لِلنِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ ثُمَّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ فَكَذَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ.
(وَأَمَّا) صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ إذَا رَأَتْ زِيَادَتَهَا عَلَى عَادَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعِينَ فَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَمَا زَادَ يَكُونُ نِفَاسًا إلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَتَكُونُ عَادَتُهَا نِفَاسًا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً، ثُمَّ يَسْتَوِي الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ، أَوْ بِالطُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالطُّهْرِ، فَلَا، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ، وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَطَهُرَتْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ تَمَامَ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ، وَصَامَتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةً فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَلَا يُجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَقِيمُ فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ