الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ، وَإِذَا لَمْ يَصْلُحُ لَهُ تَرُدُّ أَيَّامَهَا إلَى الشَّهْرِ فَتَقْعُدُ مَا كَانَتْ رَأَتْ فِيهِ مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَتُصَلِّي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ هَكَذَا دَأْبُهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ سَبْعَةٌ، وَخَمْسُونَ يَوْمًا، وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تَرُدُّ أَيَّامَهَا إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَكْثَرُهُ شَهْرٌ، وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تَرُدُّ إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَبْعَةٌ، وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
(وَأَمَّا) وَقْتُهُ فَوَقْتُهُ حِينَ تَبْلُغُ الْمَرْأَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، فَلَا يَكُونُ الْمَرْئِيُّ فِيمَا دُونَهُ حَيْضًا وَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا كَانَ حَيْضًا إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ ذَلِكَ وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ، ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ حَيْضًا، وَمَوْضِعُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ كِتَابِ الْحَيْضِ.
(وَأَمَّا) النِّفَاسُ فَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِلدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِيبِ الْوِلَادَةِ، وَسُمِّيَ نِفَاسًا إمَّا لِتَنَفُّسِ الرَّحِمِ بِالْوَلَدِ أَوْ بِخُرُوجِ النَّفْسِ، وَهُوَ الْوَلَدُ أَوْ الدَّمُ، وَالْكَلَامُ فِي لَوْنِهِ، وَخُرُوجِهِ كَالْكَلَامِ فِي دَمِ الْحَيْضِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي مِقْدَارِهِ فَأَقَلُّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ، وَنَفِسَتْ وَقْتَ صَلَاةٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ النِّفَاسَ دَمُ الرَّحِمِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْقَلِيلُ مِنْهُ خَارِجًا مِنْ الرَّحِمِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْوِلَادَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَلَمْ يُعْرَفْ الْقَلِيلُ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ أَيْضًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا التَّقْدِيرَ، ثَمَّ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ هَهُنَا، فَلَا يَتَقَدَّرُ فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ اغْتَسَلَتْ، وَصَلَّتْ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ مَوْهُومٌ، فَلَا يُتْرَكُ الْمَعْلُومُ بِالْمَوْهُومِ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَقَلِّ النِّفَاسِ فَذَاكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ وَقَالَتْ: نَفِسْت ثُمَّ طَهُرْت، ثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ وَثَلَاثَ حِيَضٍ فَبِكَمْ تُصَدَّقُ فِي النِّفَاسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ إذَا ادَّعَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشْرَ يَوْمًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَأَمَّا) أَكْثَرُ النِّفَاسِ فَأَرْبَعُونَ يَوْمًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ سِتُّونَ يَوْمًا، وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا سِوَى مَا حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: سِتُّونَ يَوْمًا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا» .
وَأَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَهِيَ مَا انْتَقَصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَمَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، ثُمَّ الْمُسْتَحَاضَةُ نَوْعَانِ مُبْتَدَأَةٌ، وَصَاحِبَةُ عَادَةٍ وَالْمُبْتَدَأَةُ نَوْعَانِ مُبْتَدَأَةٌ بِالْحَيْضِ، وَمُبْتَدَأَةٌ بِالْحَبَلِ، وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ نَوْعَانِ صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِي الْحَيْضِ، وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ.
(أَمَّا) الْمُبْتَدَأَةُ بِالْحَيْضِ، وَهِيَ الَّتِي اُبْتُدِئَتْ بِالدَّمِ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ هَذَا دَمٌ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا فَيُجْعَلُ حَيْضًا، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً، لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ.
(وَأَمَّا) صَاحِبَةُ الْعَادَّةِ فِي الْحَيْض إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا عَشْرَةً فَزَادَ الدَّمُ عَلَيْهَا فَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَيْضٌ مَعَهَا إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَيْضِ، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَادَتُهَا حَيْضٌ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» أَيْ: أَيَّامُ حَيْضِهَا، وَلِأَنَّ مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ اسْتِحَاضَةٌ بِيَقِينٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يُلْحَقَ بِمَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ حَيْضًا، فَلَا تُصَلِّي، وَبَيْنَ أَنْ يُلْحَقَ بِمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً فَتُصَلِّي، فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى شَهْرًا سِتًّا، وَشَهْرًا سَبْعًا فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ، وَفِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْغَشَيَانِ بِالْأَكْثَرِ فَعَلَيْهَا إذَا رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ فِي الِاسْتِمْرَارِ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِتَمَامِ السَّادِسِ، وَتُصَلِّيَ فِيهِ، وَتَصُومَ إنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّابِعُ حَيْضًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونُ فَدَارَ الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ بَيْنَ الْجَوَازِ مِنْهَا، وَالْوُجُوبِ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ فَيَجِبُ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا إنْ فَعَلَتْ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَوْلَى أَنْ تَتْرُكَ، وَعَلَيْهَا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، لِأَنَّ تَرْكَ الرَّجْعَةِ مَعَ