أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ: هُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَاجِبٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُحَكَّمُ الْكَثْرَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَخْرَجِ الْأَصْلِيِّ كَالسَّبْقِ فَيَجُوزُ تَحْكِيمُهُ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةِ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّ كَثْرَةَ الْبَوْلِ وَقِلَّتَهُ لِسَعَةِ الْمَحِلِّ وَضَيْقِهِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، بِخِلَافِ السَّبَقِ، وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي تَحْكِيمِ الْكَثْرَةِ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَقَالَ: هَلْ رَأَيْت حَاكِمًا يَزِنُ الْبَوْلَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَوَقَّفَا أَيْضًا، وَقَالَا هُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَلَهُ فِي الشَّرْعِ أَحْكَامٌ: حُكْمُ الْخِتَانِ وَحُكْمُ الْغُسْلِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
أَمَّا حُكْمُ الْخِتَانِ فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَنْ تَخْتِنَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَلَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ مَالِهِ جَارِيَةً تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَالْأُنْثَى تُخْتَنُ بِالْأُنْثَى عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَتَخْتِنُهُ أَمَتُهُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ إلَى فَرْجِ مَوْلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَشْتَرِي لَهُ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ جَارِيَةً خَتَّانَةً فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا وَرَدَّ ثَمَنَهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيُقَامُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، ثُمَّ تُبَاعُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَقِيلَ: يُزَوِّجُهُ الْإِمَامُ امْرَأَةً خَتَّانَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْتِنَ زَوْجَهَا، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَالْمَرْأَةُ تَخْتِنُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَأَمَّا حُكْمُ غُسْلِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَكِنَّهُ يُيَمَّمُ، كَانَ الْمُيَمِّمُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يَمَّمَهُ بِالْخِرْقَةِ وَيَكُفُّ بَصَرَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْوُقُوفِ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالصَّبِيَّانِ قَبْلَ صَفِّ النِّسَاءِ احْتِيَاطًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا حُكْمُ إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا فَقَدْ مَرَّ فَلَا يَؤُمُّ الرِّجَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيَؤُمُّ النِّسَاءَ.
وَأَمَّا حُكْمُ وَضْعِ الْجَنَائِزِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَتُقَدَّمُ جِنَازَتُهُ عَلَى جِنَازَةِ النِّسَاءِ وَتُؤَخَّرُ عَنْ جِنَازَةِ الرِّجَالِ وَالصَّبِيَّانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيُسْلَكُ مَسْلَكُ الِاحْتِيَاطِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْغَنَائِمِ فَلَا يُعْطَى سَهْمًا وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الزِّيَادَةِ شَكًّا، فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْمِيرَاثِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُعْطَى لَهُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ نَصِيبُ الْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يُجْعَلَ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ ذَكَرًا حُكْمًا، وَبَيَانُ هَذَا فِي مَسَائِلَ: إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَعْرُوفًا وَوَلَدًا خُنْثَى فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ وَيُجْعَلُ الْخُنْثَى هَاهُنَا أُنْثَى كَأَنَّهُ تَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا، وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا خُنْثَى وَعَصَبَةً فَالنِّصْفُ لِلْخُنْثَى وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ وَيُجْعَلُ الْخُنْثَى أُنْثَى كَأَنَّهُ تَرَكَ بِنْتًا وَعَصَبَةً، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ، وَعَصَبَةً فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، وَالْخُنْثَى لِأَبٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، وَيُجْعَلُ الْخُنْثَى أَيْضًا هَاهُنَا أُنْثَى كَأَنَّهُ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ، وَعَصَبَةً.
فَإِنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ، وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى وَيُجْعَلُ هَاهُنَا ذَكَرًا؛ لِأَنَّ هَذَا أَسْوَأُ أَحْوَالِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ أُنْثَى لَأَصَابَ السُّدُسَ وَتَعُولُ الْفَرِيضَةُ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ ذَكَرًا لَا يُصِيبُ شَيْئًا كَأَنَّهَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْطَى نِصْفَ مِيرَاثِ الذَّكَرِ وَنِصْفَ مِيرَاثِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى فَيُعْطَى لَهُ نِصْفَ مِيرَاثِ الرِّجَالِ وَنِصْفَ مِيرَاثِ النِّسَاءِ (وَالصَّحِيحُ) قَوْلُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَفِي الْأَكْثَرِ شَكٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا الْأَقَلُّ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُ الْأَقَلِّ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي غَيْرِ الثَّابِتِ بِيَقِينِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْمَالِ ثَابِتٌ لِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ ذَكَرٌ فِيهِ وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِمُزَاحِمَةِ الْآخَرِ فَإِذَا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ أُنْثَى وَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي