لِمَا بَيَّنَّا مِنْ احْتِمَالِ عَدَمِ الْحَيَاةِ، وَازْدَادَ هَهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِمَوْتِ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الضَّمَانَ فِيهِ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالضَّمَانِ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي فِي نَفْيِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مَا نَقَصَ الْأُمَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ.
أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُ النَّفْسِ أَمْ ضَمَانُ الْمَالِ؟ فَعَلَى أَصْلِهِمَا ضَمَانُ النَّفْسِ حَتَّى قَالَا أَنَّهُ لَا تُزَادُ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ بَلْ تَنْقُصُ هَهُنَا.
وَكَذَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَمَانُهَا ضَمَانُ الْمَالِ حَتَّى قَالَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَصَارَ جَنِينُهَا كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ، وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ كَذَا هَهُنَا (وَأَمَّا) الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ أَمْ بِأُمِّهِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ لَا بِأُمِّهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ ضَمَانَ جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا بِأُمِّهِ لَسَلِمَ لَهَا كَمَا يَسْلَمُ لَهَا أَرْشُ عُضْوِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْجَنِينَ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ ضَمَانٌ فَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ رَقِيقًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ خَمْسُمِائَةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى، وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنِينِ الرَّقِيقِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قِيمَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ جَنِينَيْنِ حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ مَا فِيهِ حَالَ الِانْفِرَادِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ فَإِنْ أَلْقَتْ أَحَدَهُمَا مَيِّتًا وَالْآخَرَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ ضَمَانُهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ الضَّرْبِ وَخَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ فِي الْأُمِّ وَقِيمَةٌ فِي الْجَنِينِ، وَإِنْ خَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَعَلَيْهِ فِي الْأُمِّ الْقِيمَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْجَنِينِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ الْغُرَّةُ فَفِي الرَّقِيقِ نَصِفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِي الْمَضْرُوبَةِ - إذَا كَانَتْ حُرَّةً - الدِّيَةُ فَفِي الْأَمَةِ الْقِيمَةُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ هُنَاكَ شَيْءٌ لَا يَجِبُ هُنَا شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي جَانِبِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَكُونُ فِي مَالِ الضَّارِبِ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَالًّا وَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَالْوَاجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالتَّحَمُّلِ فِي الْغُرَّةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْخُنْثَى)
(الْكَلَامُ) فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِ الْخُنْثَى، وَفِي بَيَانِ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ.
(أَمَّا الْأَوَّلُ) فَالْخُنْثَى مَنْ لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى حَقِيقَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أُنْثَى.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْعَلَامَةِ، وَعَلَامَةُ الذُّكُورَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ، وَإِمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى النِّسَاءِ وَعَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ فِي الْكِبَرِ نُهُودُ ثَدْيَيْنِ كَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَنُزُولُ اللَّبَنِ فِي ثَدْيَيْهِ وَالْحَيْضُ وَالْحَبَلُ، وَإِمْكَانُ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ فَرْجِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا يَخْتَصُّ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَكَانَتْ عَلَامَةً صَالِحَةً لِلْفَصْلِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَالْمَبَالُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْخُنْثَى مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» ، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الذُّكُورِ فَهُوَ ذَكَرٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهُوَ أُنْثَى " وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا يُحَكَّمُ السَّبْقُ؛ لِأَنَّ سَبْقَ الْبَوْلِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَخْرَجُ الْأَصْلِيُّ وَأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِانْحِرَافِ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَسْبِقُ