لِاخْتِلَافِ الْأَرْشِ، وَهَهُنَا لَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ لِأَنَّ أَرْشَ الذِّرَاعِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي بَيْنَ أَرْشَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْكَفِّ يُوجِبُ وَهْنَ السَّاعِدِ وَضَعْفِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَقِيمَةُ الْوَهْنِ وَالضَّعْفِ فِيهِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تُعْرَفُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ أَرْشَيْ السَّاعِدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُطِعَ يَدُ رَجُلٍ وَفِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَفِي يَدِ الْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِيهِمَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةُ فِي الْكَفِّ نَقْصٌ فِيهَا وَعَيْبٌ، وَهُوَ نَقْصٌ يَعْرِفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تُعْرَفُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ.

وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةَ فِي مَعْنَى التَّزَلْزُلِ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَزَلْزِلِ؛ وَلِأَنَّهَا نَقْصٌ وَلَا تُعْرَفُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَلَا تُعْرَفُ الْمُمَاثَلَةُ.

وَلَوْ قَطَعَ الْكَفَّ الَّتِي فِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُصْبُعُ تُوهِنُ الْكَفَّ وَتَنْقُصُهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقُصُهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ.

وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الْأَشَلَّيْنِ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَقَلَّهُمَا شَلَلًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَا سَوَاءً فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَقَلَّهُمَا شَلَلًا كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ أَرْشَ يَدِهِ شَلَّاءَ.

وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَكْثَرَهُمَا شَلَلًا فَلَا قِصَاصَ وَلَهُ أَرْشُ يَدِهِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ بَعْضَ الشَّلَلِ فِي يَدَيْهِمَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ أَرْشَيْهِمَا، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تُعْرَف الْمُمَاثَلَةُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ يَدًا مِثْلَ يَدِهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْإِبْهَامِ يُوهِنُ الْكَفَّ وَيُسْقِطُ تَقْدِيرَ الْأَرْشِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا تُعْرَفُ الْمُمَاثَلَةُ.

وَلَوْ قَطَعَ يَدُ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ لَا تَدْخُلُ الْيَدُ فِي النَّفْسِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالْقَتْلِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْ النَّفْسِ وَقَطَعَ يَدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا تَدْخُلُ الْيَدُ فِي النَّفْسِ وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْبُرْءُ لَا حُكْمَ لَهَا مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ يَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ إلَّا دِيَةُ النَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْمِثْلِ وَذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ، وَالِاسْتِيفَاءُ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ مُمْكِنٌ فَإِذَا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمِثْلِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ مِثْلَ الْجِنَايَةِ جَزَاءً وِفَاقًا بِخِلَافِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بَلْ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمِثْلِ النَّفْسِ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْأَصْلِ عِنْدَ اسْتِقْرَارِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ حَالَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِ السَّبَبِ لِعَدَمِ الْبُرْءِ مَرْدُودَةً إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا إذَا كَانَا جَمِيعًا عَمْدًا فَأَمَّا إذَا كَانَا جَمِيعًا خَطَأً فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ لَا يَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ، وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَتُؤَدَّى فِي ثَلَاثِ سِنِينَ: فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَثُلُثٌ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ.

وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَسُدُسٌ مِنْ النِّصْفِ.

وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ تُؤَدَّى فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَنِصْفُ الدِّيَةِ يُؤَدَّى فِي سَنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْمُؤَدَّى مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا بَرِئَ فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ فَكَانَ الْبَاقِي جِنَايَةَ مُبْتَدَأٍ فَيُبْتَدَأُ بِحُكْمِهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ، وَيَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْتَقِرَّ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً لَا يَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ مَعَ الْخَطَأِ جِنَايَتَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُحْتَمَلَانِ التَّدَاخُلَ فَيُعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهَا فَيَجِبُ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَفِي الْخَطَأِ الْأَرْشُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْجَانِي وَاحِدًا فَقَطَعَ ثُمَّ قَتَلَ فَأَمَّا إذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَقَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ كُلِّ جِنَايَةٍ بِحِيَالِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ التَّدَاخُلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015