وَالْحَجَرِ، وَالْخَشَبِ، وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِمُبَاشَرَةِ الْكُلِّ، أَوْ التَّسْبِيبِ مِنْ الْبَعْضِ بِالْإِعَانَةِ، وَالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَعْنِي: الْمُبَاشَرَةَ مِنْ الْبَعْضِ، وَالْإِعَانَةَ مِنْ الْبَعْضِ بِالتَّسْمِيرِ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ التَّسَبُّبُ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ؛ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَانْسِدَادِ حُكْمِهِ، وَأَنَّهُ قَبِيحٌ؛ وَلِهَذَا أُلْحِقَ التَّسَبُّبُ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي السَّرِقَةِ كَذَا هَهُنَا.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْقَاطِعِ خَاصَّةً، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْطُوعِ لَهُ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْطُوعِ فِيهِ.
(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَاطِعِ خَاصَّةً فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ فَيَسْتَدْعِي جِنَايَةً، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ جِنَايَةً؛ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ كَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ فِي الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ فَلَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الصَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يَلِي الْقَطْعَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ؛ حَدَّ الْعُقَلَاءَ الْبَالِغِينَ، قَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.
(وَمِنْهَا) الذُّكُورَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي الْقُطَّاعِ امْرَأَةٌ فَوُلِّيَتْ الْقِتَالَ، وَأَخْذَ الْمَالِ دُونَ الرِّجَالِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: النِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْله تَعَالَى يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَعَلَى الرِّجَالِ.
(وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّ هَذَا حَدٌّ يَسْتَوِي فِي وُجُوبِهِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى كَسَائِرِ الْحُدُودِ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ إنْ كَانَ هُوَ الْقَطْعُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الذُّكُورَةُ، وَالْأُنُوثَةُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الذُّكُورَةُ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَتْلُ فَكَذَلِكَ كَحَدِّ الزِّنَا، وَهُوَ الرَّجْمُ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ: أَنَّ رُكْنَ الْقَطْعِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَلَى الْمَارَّةِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ، وَالْمُغَالَبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ النِّسَاءِ عَادَةً لِرِقَّةِ قُلُوبِهِنَّ، وَضَعْفِ بِنْيَتِهِنَّ، فَلَا يَكُنَّ مِنْ أَهْلِ الْحِرَابِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَاءِ، وَمُسَارَقَةِ الْأَعْيُنِ، وَالْأُنُوثَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا أَسْبَابُ سَائِرِ الْحُدُودِ تَتَحَقَّقُ مِنْ النِّسَاءِ كَمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الرِّجَالِ.
(وَأَمَّا) الرِّجَالُ الَّذِينَ مَعَهَا فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - سَوَاءٌ بَاشَرُوا مَعَهَا، أَوْ لَمْ يُبَاشِرُوا فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الصَّبِيِّ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ حَيْثُ قَالَ: إذَا بَاشَرَ الصَّبِيُّ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ، وَإِذَا بَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ تُحَدُّ الرِّجَالُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ: لَهُ أَنَّ امْتِنَاعَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَتَعَلَّقُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِفِعْلِهَا، بَلْ لِعَدَمِ الْمُحَارَبَةِ مِنْهَا أَوْ نُقْصَانِهَا عَادَةً، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الرِّجَالِ فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَامْتِنَاعُ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَائِرُ الْحُدُودِ فَإِذَا انْتَفَى الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَصْلٌ امْتَنَعَ التَّبَعُ ضَرُورَةً.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ شَيْءٌ، وَاحِدٌ، وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَقَدْ حَصَلَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الرُّكْنَ، وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْعَبْدِ حَسْبَ تَحَقُّقِهِ مِنْ الْحُرِّ؛ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ كَمَا يَلْزَمُ الْحُرَّ، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لَا حَدَّ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مُطْلَقًا، بَلْ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا الْعِصْمَةُ بِعَارِضِ الْأَمَانِ مُؤَقَّتَةٌ إلَى غَايَةِ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَكَانَ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَدُّ بِالْقَطْعِ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ أَفَادَ لَهُ عِصْمَةَ مَالِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِأَخْذِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِسَرِقَتِهِ وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ يَدُهُ صَحِيحَةً بِأَنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ، أَوْ يَدَ أَمَانَةٍ، أَوْ يَدَ ضَمَانٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً كَيَدِ السَّارِقِ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا لَا حَدَّ عَلَى السَّارِقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَوَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقُطَّاعِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ