لِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُمْ - فَلَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ عِنْدَنَا، فَلَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُقْطَعُ فِي الْمُبَاحِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَإِنْ كَانَ مَالًا لِانْعِدَامِ تَقَوُّمِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يُقْطَعُ فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَفَائِسِ الْأَمْوَالِ: مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْجَوَاهِرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ مَعَادِنِهَا لِعَدَمِ الْمَالِكِ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ النَّبَّاشُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُقْطَع؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، وَلَا، وَجْهَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُؤَخَّرٌ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْكَفَنِ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا أَصْلًا.

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ فِيهِ مِلْكٌ، وَلَا تَأْوِيلُ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ، أَوْ مَا فِيهِ تَأْوِيلُ الْمِلْكِ، أَوْ الشُّبْهَةَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُسَارَقَةِ الْأَعْيُنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ رُكْنُ السَّرِقَةِ، وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَاءِ، وَالِاسْتِسْرَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةُ السَّرِقَةِ قَالَ اللَّهُ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فَيَسْتَدْعِي كَوْنَ الْفِعْلِ جِنَايَةً مَحْضَةً، وَأَخْذُ الْمَمْلُوكِ لِلسَّارِقِ لَا يَقَعُ جِنَايَةً أَصْلًا فَالْأَخْذُ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ، أَوْ الشُّبْهَةِ لَا يَتَمَحَّضُ جِنَايَةً فَلَا يُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَا أَعَارَهُ مِنْ إنْسَانٍ، أَوْ آجَرَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ قَائِمٌ، وَلَا عَلَى مَنْ سَرَقَ رَهْنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ لَهُ.

وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَسَرَقَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ الرَّاهِنُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْأَخْذِ كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ يَدِهِ عَائِدَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْسِكُهُ لِحَقِّهِ فَأَشْبَهَ يَدَ الْمُودَعِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُمَا عَلَى الشُّيُوعِ، فَكَانَ بَعْضُ الْمَأْخُوذِ مِلْكُهُ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَخْذِهِ، فَلَا يَجِبُ بِأَخْذِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْخُمُسَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ مِلْكًا، وَحَقًّا.

وَلَوْ سَرَقَ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ، وَبِمَا فِي يَدِهِ لَا يُقْطَعُ أَيْضًا (أَمَّا) عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ فَلَهُ فِيهِ ضَرْبُ اخْتِصَاصٍ يُشْبِهُ الْمِلْكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهُ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالٍ آخَرَ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَسْبُ جَارِيَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيُورِثَ شُبْهَةً، أَوْ نَقُولُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَوْلَى، وَلَا الْمَأْذُونُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَالْغُرَمَاءُ لَا يَمْلِكُونَ أَيْضًا فَهَذَا مَالُ مَمْلُوكٍ لَا مَالِكٍ، لَهُ مُعِينٌ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَمَالِ الْغَنِيمَةِ.

وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ مِلْكُهُ مِنْ، وَجْهٍ، أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَالْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ، أَوْ شُبْهَةُ الْمِلْكِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ مَعَ مَا أَنَّ هَذَا مِلْكٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَعَلَى مَوْلَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ الْمَوْلَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ، فَكَانَ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا لِلْحَالِ فَيُوجِبُ شُبْهَةً، فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ كَأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا سَرَقَ مَا شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ، وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ، وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِ، وَلَدِهِ تَأْوِيلَ الْمِلْكِ، أَوْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْتَ، وَمَالُك لِأَبِيك» فَظَاهِرُ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ فِي الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ، أَوْ يَثْبُتُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ شُبْهَةً فِي وُجُوبِهِ.

(وَأَمَّا) السَّرِقَةُ مِنْ سَائِرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تُوجِبُ الْقَطْعَ أَيْضًا لَكِنْ لِفَقْدِ شَرْطٍ آخَرَ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ دَخَلَ لِصٌّ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَشْقُوقًا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " لَا يُقْطَعُ " وَلَوْ أَخَذَ شَاةً فَذَبَحَهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا مَذْبُوحَةً لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ السَّارِقَ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَهُوَ الشَّقُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُقْطَعْ إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ شَاةً فَذَبَحَهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ فِي مِلْكِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015