الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ جَائِزٌ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(وَوَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ شَرْطَ الِاعْتِقَادِ مِمَّا يُلَائِمُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ وَإِنْهَاءُ الْمِلْكِ تَقْرِيرٌ لَهُ فَكَانَ مُلَائِمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ أَنَّ الْبَيْعَ ثَبَّتَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالْإِعْتَاقِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ وَلَا عِتْقَ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ إلَّا بِالتَّمْلِيكِ فَلَوْ كَانَ الْإِعْتَاقُ إزَالَةَ الْمِلْكِ لَمَا تُصُوِّرَ وُجُودُ الْإِعْتَاقِ مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَالشَّيْءُ لَا يَقْتَضِي ضِدَّهُ، وَإِذَا كَانَ إنْهَاءَ الْمِلْكِ؛ كَانَ تَقْرِيرًا لَهُ فَكَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهُ وَلِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَعُمُّ الْكُلَّ وَالثَّانِي يَخُصُّ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ شَرْطٌ لَا يُلَائِمُهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمِلْكَ، وَالْمِلْكَ يَقْتَضِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ تَحْصِيلًا وَتَرْكًا.
وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ يَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ وَاللُّزُومَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُلَائِمُهُ بَلْ يُضَادُّهُ وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُلَائِمُ الْعَقْدَ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يُلَائِمُهُ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا يُوجِبُ الْفَسَادَ عَلَى مَا نَذْكُرُ تَقْرِيرَهُ ثُمَّ إذَا بَاعَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي؛ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِالْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ هَكَذَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا حَتَّى تَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى.
(وَوَجْهُهُ) ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فَاسِدًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ وَبِالْإِعْتَاقِ لَا يَنْعَدِمُ الْفَسَادُ بَلْ يَتَقَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنَّهُ تَقْرِيرٌ فَيُوجِبُ تَقَرُّرَ الْفَسَادِ لِلْفَاسِدِ، وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْإِعْتَاقِ يُلَائِمُ الْعَقْدَ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يُلَائِمُهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِزَالَةٌ مِنْ وَجْهٍ: فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْهَاءٌ كَانَ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةٌ لَا يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْإِزَالَةِ، فَقُلْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ وَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْإِنْهَاءِ فَقُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الِانْتِهَاءِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُعْمَلُ بِهِمَا عَلَى الْقَلْبِ مِمَّا قُلْتُمْ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ جَائِزًا انْقَلَبَ فَاسِدًا فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَوَجَدْنَا فَاسِدًا انْقَلَبَ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الرَّقْمِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَوْ وَهَبَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إنْهَاءَ الْمِلْكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ فَدَبَّرَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ لَا يُوجِبَانِ إنْهَاءَ الْمِلْكِ بِيَقِينٍ لِاحْتِمَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَبِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ أَصْلًا؛ فَأَوْجَبَ لُزُومَ الْفَسَادِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَأَنْ لَا يَهَبَهُ وَأَنْ لَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ وَالْجَارِيَةُ بِالصِّيَانَةِ عَنْ تَدَاوُلِ الْأَيْدِي فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ.
(وَأَمَّا) فِيمَا سِوَى الرَّقِيقِ إذَا بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يَهَبَهُ أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا أَوْ يَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ: ذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُزَارِعِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ وَلَا يَهَبَهُ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ.
(وَوَجْهُهُ) أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَلَا جَرَى بِهِ التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا كَمَا فِي سَائِرِ الشَّرَائِطِ الْمُفْسِدَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فِي مِثْل هَذِهِ الشُّرُوطِ لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْعَقْدِ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ إلَّا أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَحْرِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يُخَرِّبَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَضَرَّةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي: ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اخْتِلَافًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فَقَالَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ