جَارِيَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فَكَانَ ذِكْرُ الْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي إبْرَاءً عَنْ هَذَا الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِيهَا زِيَادَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بَهِيمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ فَكَانَ ذِكْرُ الْحَبَلِ فِيهَا شَرْطًا، فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ؛ فَيُفْسِدُ الْبَيْعَ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ فِيهِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ زِيَادَةٍ فِي وُجُودِهَا خَطَرٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ أَيْضًا فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ الْحَبَلِ فِي بَيْعِ النَّاقَةِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِالشِّرَاءِ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ هَذَا الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ اشْتَرَى نَاقَةً وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنَّهَا تَضَعُ حَمْلهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ غَرَرًا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا كَذَا رَطْلًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حَلُوبَةٌ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَتِهِ فِي شَرْطِ الْحَبَلِ.
(وَوَجْهُهُ) أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهَا حَلُوبَةً شَرْطُ زِيَادَةِ صِفَةٍ فَأَشْبَهَ شَرْطَ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فِي الْجَوَارِي، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(وَوَجْهُهُ) أَنَّ هَذَا شَرْطُ زِيَادَةٍ فَيَجْرِي فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَهُوَ اللَّبَنُ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ، وَكَوْنُهَا حَلُوبَةً إنْ كَانَ صِفَةً لَهَا لَكِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِهِ إلَّا بِوُجُودِ اللَّبَنِ وَفِي وُجُودِهِ غَرَرٌ وَجَهَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا لَبُونٌ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْحَلُوبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ اشْتَرَى قُمْرِيَّةً عَلَى أَنَّهَا تُصَوِّتُ أَوْ طَيْرًا عَلَى أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ أَوْ كَبْشًا عَلَى أَنَّهُ نَطَّاحٌ أَوْ دِيكًا عَلَى أَنَّهُ مُقَاتِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَرٌ وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَبْرَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَشَرْطِ الْحَبَلِ وَلِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ يُتَلَهَّى بِهَا عَادَةً وَالتَّلَهِّي مَحْظُورٌ فَكَانَ هَذَا شَرْطًا مَحْظُورًا فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا بَاعَ قُمْرِيَّةً عَلَى أَنَّهَا تُصَوِّتُ فَإِذَا صَوَّتَتْ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا صَوَّتَتْ عُلِمَ أَنَّهَا مُصَوِّتَةٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ غَرَرُ الْعَدَمِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالُوا فِي الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ قُمْرِيَّةً مُصَوِّتَةً: إنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُصَوِّتَةً.
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ عَلَى سَبِيلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّغْنِيَةَ صِفَةٌ مَحْظُورَةٌ لِكَوْنِهَا لَهْوًا فَشَرْطُهَا فِي الْبَيْعِ يُوجِبُ فَسَادَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ عَلَى وَجْهِ إظْهَارِ الْعَيْبِ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ عَيْبٍ آخَرَ فَإِنْ وَجَدَهَا لَا تُغَنِّي لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا.
وَلَوْ اشْتَرَى كَلْبًا أَوْ فَهْدًا عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّمٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ الْبَيْعُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَصِيدَ فَيُمْسِكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ مَحْظُورٍ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْكَلْبِ وَالِاصْطِيَادَ بِهِ مُبَاحٌ فَأَشْبَهَ شَرْطَ الْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ وَالطَّبْخِ فِي الْجَارِيَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَرٌ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالِاصْطِيَادِ وَالْجَبْرُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
وَلَوْ اشْتَرَى بِرْذَوْنًا عَلَى أَنَّهُ هِمْلَاجٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِالتَّسْيِيرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ وَلَا خَطَرٌ أَيْضًا، وَإِنْ شِئْت أَفْرَدْت لِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ وَخَرَّجْتهَا إلَيْهِ فَقُلْت: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مَحْظُورًا فَافْهَمْ.
(وَمِنْهَا) شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ كَالرَّقِيقِ وَلَيْسَ بِمُلَائِمٍ لِلْعَقْدِ وَلَا مِمَّا جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ نَحْوَ مَا إذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إلَيْهِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً أَوْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا أَوْ ثَمَرَةً عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا أَوْ رَبْطَةً قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا أَوْ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ الْبَائِعُ إلَى مَنْزِلِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا.
وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا فَاسِدٌ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يُدَبِّرَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَبِيعِ وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهَا