بِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْخَمِيسِ كُلَّمَا تَجَدَّدَ إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ شَهْرًا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ يَوْمًا نُظِرَ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنَّهُ رَجَبٌ أَوْ شَعْبَانُ أَوْ غَيْرُهُ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا أَوْ شَعْبَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، إذْ الشَّهْرُ لَا يُوجَدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ قَصَدَ تَصْحِيحَ نَذْرِهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَهُوَ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى الْوَقْتِ.
وَقَدْ يُذْكَرُ الْيَوْمُ وَيُرَادُ بِهِ مُطَلَّقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ: يَوْمًا لَنَا وَيَوْمًا عَلَيْنَا عَلَى إرَادَةِ مُطْلَقِ الْوَقْتِ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي قَالَ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ؛ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَا يَنْقُضُ صَوْمَهُ، وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ غَدًا؛ لِأَنَّهُ رَكَّبَ اسْمًا عَلَى اسْمٍ لَا بِحَرْفِ النَّسَقِ، فَبَطَلَ التَّرْكِيبُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إيجَابَ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ غَدًا، وَهَذَا الْيَوْمُ لَا يُوجَدُ فِي غَدٍ، فَلَا يَكُونُ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ، بَطَلَ قَوْلُهُ غَدًا وَبَقِيَ قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْإِيجَابِ صَحَّ، وَإِلَّا بَطَل بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يُعْتَدُّ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ.
(وَأَمَّا) الْغَدُ فَلَا يَصْلُحُ عِبَارَةً عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَلَا يُعَبَّر بِهِ إلَّا عَنْ عَيْنِ الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا الْيَوْمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ غَدًا وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ حَشْوٌ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الْغَدِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ رَكَّبَهُ عَلَى الْغَدِ لَا بِحَرْفِ النَّسَقِ فَبَطَلَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ غَدِّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الْيَوْمِ، فَلُغِيَ قَوْلُهُ: الْيَوْمَ، وَبَقِيَ قَوْلُهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ غَدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَمْسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ ثَانِيًا فَبَطَلَ الِالْتِزَامُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ: غَدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ صَوْمَ غَدٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَدَ ظَرْفًا لِلْأَمْسِ؛ وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لَهُ، فَلَغِيَتْ تَسْمِيَةُ الْغَدِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ يَبْطُلُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِمَا ذَكَرنَا؛ وَإِذَا بَطَلَ هَذَا يُنْظَرُ إلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَإِنْ صَلَحَ صَحَّ النَّذْرُ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا كَذَا يَوْمًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ - فَعَلَيْهِ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُفْرَدَيْنِ مُجْمَلَيْنِ لَا بِحَرْفِ النَّسَقِ، فَانْصَرَفَ إلَى أَقَلِّ عَدَدَيْنِ مُفْرَدَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لَا بِحَرْفِ النَّسَقِ وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى يَوْمًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ حَمْلَ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى التَّكْرَارِ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ؛ يُقَالُ: صَوْمُ يَوْمٍ يَوْمٍ وَيُرَادُ بِهِ تَكْرَارُ يَوْمٍ، وَإِذَا جَازَ هَذَا فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَعَمِلَتْ نِيَّتُهُ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا فَعَلَيْهِ صَوْمُ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُفْرَدَيْنِ عَلَى الْإِكْمَالِ بِحَرْفِ النَّسَقِ، فَحُمِلَ عَلَى أَقَلِّ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ، يُقَالُ: صَوْمُ يَوْمٍ يَوْمٍ وَيُرَادُ بِهِ تَكْرَارُ يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوِمًا؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ عِنْدَ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَى تَمَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَشْرَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعُونَ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ صُرِفَ إلَى أَقَلِّهِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ إذْ الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُسْتَحَقَّةُ هَذَا الِاسْمِ بِيَقِينٍ، وَلَوْ قَالَ: السِّنِينَ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْأَبَدِ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ صَوْمُ الشُّهُورِ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا.
وَلَوْ قَالَ صَوْمُ شُهُورٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا هَذَا فِي الْأَيَّامِ، وَأَيَّامًا مُنَكَّرًا وَمُعَرَّفًا، وَعِنْدَهُمَا الْمُعَرَّفُ يَقَعُ عَلَى الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمَعِ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْعَادَةِ عَيْنُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الْجُمُعَةِ سَبْعَةٌ فِي تَعَارُفِ النَّاسِ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى إنْ نَوَى عَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَوْ نَوَى أَيَّامَهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَحْتَمِلُ كِلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي أَغْلِبْ الْعَادَاتِ أَيَّامُهَا وَاَللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - أَعْلَمُ.
وَلَوْ نَذَرَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: عَلَيَّ مِثْلُ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ -، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إذَا دَخَلْتُ الدَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: عَلَيَّ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ، ثُمَّ