الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ فَأَعْطَى ذَلِكَ الطَّعَامَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَالٍ مُتَعَيَّنٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا الْمِسْكِينُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الْمَالَ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْفَقِيرِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعْطِيَ الَّذِي عَيَّنَهُ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ هَذَا الْمِسْكَيْنِ شَيْئًا سَمَّاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَهُ الَّذِي سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَنْذُورَ صَارَ تَعْيِينُ الْفَقِيرِ مَقْصُودًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ وَهُوَ لَا يَنْوِي أَنْ يُطْعِمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، إنَّمَا نَوَى أَنْ يُطْعِمَ وَاحِدًا مَا يَكْفِي عَشْرَةً أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ، فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ مِقْدَارَ مَا يُطْعِمُ عَشْرَةً، فَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضَهُمْ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَكَلَّمَ فُلَانًا وَقَدِمَ فُلَانٌ - أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ إذَا سَمَّى يَوْمًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وُجُوبَ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِشَرْطَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِيَالِهِ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ مَعًا وَجَبَتْ بِالْإِيجَابَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ سَبَبَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ، فَإِنْ وُجِدَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي حُكْمٌ.

نَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلَ زَيْدٌ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلَهَا عَمْرٌو فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ دَخَلَا مَعًا عَتَقَ الْعَبْدُ بِالْإِيجَابَيْنِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى التَّعَاقُبِ عَتَقَ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي حُكْمٌ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَكَلَّمَ فُلَانًا - وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَعْطَى ذَلِكَ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَوْ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَعَلَيْهِ لِنَذْرِهِ مِثْلُ مَا أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى تَعَيَّنَ لِلْإِخْرَاجِ بِجِهَةِ النَّذْرِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْإِخْرَاجِ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ بِحَقٍّ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، كَمَا لَوْ أَنْفَقَهُ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مِثَالَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَنْ النَّذْرَيْنِ فَجَازَ عَنْهُمَا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ صَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ تَطَوُّعًا فَقَدِمَ فُلَانٌ يَوْمئِذٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ - فَعَلَيْهِ يَوْمٌ مَكَانَهُ لِقُدُومِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْ جِهَةِ النَّذْرِ، لِوُجُودِ شَرْطِ وُجُوبِهِ وَهُوَ قُدُومُ فُلَانٍ فِيهِ؛ فَإِذَا صَامَ عَنْ غَيْرِهِ فَقَدْ مَنَعَ وُقُوعَهُ عَنْ النَّذْرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدِمَ بَعْدَمَا أَكَلَ، فَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخِرَ مَكَانَهُ لِقُدُومِ فُلَانٍ، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْيَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبِرِّ وَهُوَ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى صَوْمِهِ، وَجِهَاتُ الصَّوْمِ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْيَمِينُ، وَلَوْ كَانَ قَدِمَ فُلَانٌ بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ عَنْ النَّذْر، كَمَا لَوْ أَنْشَأَ النَّذْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ؛ لِأَنَّ الْقُدُومَ حَصَلَ فِي زَمَانٍ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ فِيهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الْمُنَافِي لَهُ وَهُوَ الْأَكْلُ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النَّذْرِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ ثُمَّ أَكَلَ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ، فَقَدِمَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَهُ فِي رَمَضَانَ - أَجْزَأَ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ آخَرُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ يَتَعَيَّنُ لِصَوْمِهِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا النَّذْرِ حُكْمٌ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ، وَالْيَمِينُ انْعَقَدَتْ عَلَى الصَّوْمِ دُونَ غَيْره وَقَدْ صَامَ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَطَوَّعَا لِقُدُومِهِ، وَنَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَصَامَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ - فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَالْكَفَّارَةُ:.

(أَمَّا) الْقَضَاءُ فَلِأَنَّهُ نَذْر أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِلْقُدُومِ وَذَلِكَ الْيَوْمُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِصَوْمِ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا صَامَ عَنْ جِهَةٍ يَتَعَيَّنُ الْوَقْتُ لَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ.

(وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى مُطْلَقِ الصَّوْمِ، بَلْ عَلَى أَنْ يَصُومَ عَنْ الْقُدُومِ، فَإِذَا صَامَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يُوجَدْ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

(أَمَّا) عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّ زَمَانَ رَمَضَانَ يَتَعَيَّنُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ، فَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الصَّوْمِ فِيهِ لِغَيْرِهِ.

(وَأَمَّا) وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُوجَدْ الْبِرُّ وَإِنْ صَامَهُ يَنْوِي الشُّكْرَ عَلَى قُدُومِ فُلَانٍ وَلَا يَنْوِي رَمَضَانَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ.

(أَمَّا) الْجَوَازُ عَنْ رَمَضَانَ؛ فَلِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، لِكَوْنِ الزَّمَانِ مُتَعَيِّنًا لَهُ فَوَقَعَ عَنْهُ.

(وَأَمَّا) بِرُّهُ فِي يَمِينِهِ فَلِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الصَّوْمِ بِجِهَةٍ، وَقَدْ قَصْد تِلْكَ الْجِهَةَ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ.

وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ مِنْهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنَّهُ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ لَا يُوجَدُ شَهْرًا، لِأَنَّهُ إذَا مَضَى لَا يَعُودُ ثَانِيًا، فَيُحْمَلُ عَلَى الْتِزَامِ صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسَمَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015