مَعَ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي قَلِيبٍ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلَا عَلَى مَذْبَحِهِ وَلَا مَنْحَرِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَاهُ لِتَعَذُّرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فَجَعَلَ الصِّيَالَ مِنْهُ كَنَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ أَخْذِهِ فَيَعْجَزُ عَنْ نَحْرِهِ فَيُقَامُ الْجَرْحُ فِيهِ مَقَامَ النَّحْرِ كَمَا فِي الصَّيْدِ ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي الِاصْطِيَادِ بِالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ لَا يَحِلُّ، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا خَرَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرَضٍ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ» .
(وَأَمَّا) الِاصْطِيَادُ بِالْجَوَارِحِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ إمَّا بِنَابٍ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِمَّا بِالْمِخْلَبِ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَنَحْوِهِمَا فَكَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ لَا يَحِلُّ حَتَّى لَوْ خَنَقَ أَوْ صَدَمَ وَلَمْ يَجْرَحْ وَلَمْ يَكْسِرْ عُضْوًا مِنْهُ لَا يَحِلُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْكَلْبَ يَأْخُذُ الصَّيْدَ عَلَى حَسْبِ مَا يَتَّفِقُ لَهُ فَقَدْ يَتَّفِقُ لَهُ الْأَخْذُ بِالْجَرْحِ وَقَدْ يَتَّفِقُ بِالْخَنْقِ وَالصَّدْمِ وَالْحَالُ حَالُ الضَّرُورَةِ فَيُوَسَّعُ الْأَمْرُ فِيهِ وَيُجْعَلُ الْخَنْقُ وَالصَّدْمُ كَالْجَرْحِ كَمَا وُسِّعَ فِي الذَّبْحِ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَهِيَ مِنْ الْجِرَاحَةَ فَيَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْجَرْحِ وَلِأَنَّ الرُّكْنَ هُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ وَذَلِكَ بِالذَّبْحِ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ وَفِي حَالِ الْعَجْزِ أُقِيمَ الْجَرْحُ مَقَامَهُ؛ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي خُرُوجِ الدَّمِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْخَنْقِ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَيْدِ الْمِعْرَاضِ إذَا خَرَقَ فَكُلْ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلُ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ فَهُوَ وَقِيذٌ وَمَا أَصَبْت بِحَدِّهِ فَكُلْ» أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ عَلَى الْجَرْحِ وَعَدَمِ الْجَرْحِ، وَسَمَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرَ الْمَجْرُوحِ وَقِيذًا أَوْ أَنَّهُ حَرَامٌ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّهَا مُنْخَنِقَةٌ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] فَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ وَلَمْ يَخْنُقْهُ وَلَكِنَّهُ كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ فَمَاتَ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يُحْكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ شَيْءٌ مُصَرِّحٌ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ وَأَطْلَقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا جَرَحَ بِنَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ أَوْ كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فَقَدْ جَعَلَ الْكَسْرَ جِرَاحَةَ بَاطِنِهِ فَيُلْحَقُ بِالْجِرَاحَةِ لِظَاهِرِهِ فِي حُكْمٍ بُنِيَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الذَّبْحُ وَإِنَّمَا أُقِيمَ الْجَرْحُ مَقَامَهُ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِخُرُوجِ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْكَسْرِ فَلَا يُقَامُ مَقَامَهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقُمْ الْخَنْقُ مَقَامَهُ وَقَدْ قَالُوا: إذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ فَأَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الْجَرْحِ.
وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ قِيلَ: وَهَذَا قَدْ يَكُونُ فِي شَاةٍ اعْتَلَفَتْ الْعُنَّابَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِم الصَّفَّارُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُؤْكَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ» يُؤْكَلُ بِشَرْطِ إنْهَارِ الدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ لَمْ يُشْرَطْ لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِخْرَاجِ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ وَتَطْيِيبِ اللَّحْمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحِلُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُؤْكَلُ لِوُجُودِ الذَّبْحِ وَهُوَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَإِنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الدَّمِ عَادَةً لَكِنَّهُ امْتَنَعَ لِعَارِضٍ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ كَالدَّمِ الَّذِي اُحْتُبِسَ فِي بَعْضِ الْعُرُوقِ عَنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَذَا لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ كَذَا هَذَا.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَطَعَ مِنْ أَلْيَةِ الشَّاةِ قِطْعَةً أَوْ مِنْ فَخِذِهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْمُبَانُ وَإِنْ ذُبِحَتْ الشَّاةُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ وَقْتَ الْإِبَانَةِ لِانْعِدَامِ ذَكَاةِ الشَّاةِ لِكَوْنِهَا حَيَّةً وَقْتَ الْإِبَانَةِ، وَحَالَ فَوَاتِ الْحَيَاةِ كَانَ الْجُزْءُ مُنْفَصِلًا وَحُكْمُ الذَّكَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي الْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقْطَعُونَ قِطْعَةً مِنْ أَلْيَةِ الشَّاةِ وَمِنْ سَنَامِ الْبَعِيرِ فَيَأْكُلُونَهَا فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» وَالْجُزْءُ الْمَقْطُوعُ مُبَانٌ مِنْ حَيٍّ وَبَائِنٌ مِنْهُ فَيَكُونُ مَيِّتًا وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ ذَلِكَ مِنْ صَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ الْمَقْطُوعُ، وَإِنْ مَاتَ الصَّيْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤْكَلُ إذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُطِعَ فَتَعَلَّقَ الْعُضْوُ بِجِلْدِهِ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ التَّعَلُّقِ لَا يُعْتَبَرُ