فِي دُيُونِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهَا لَا فِي رَقَبَتِهَا، وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، وَمِنْ الْأَرْشِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا قَدْرُ قِيمَتِهَا وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ كَالْمُدَبَّرِ، وَيَجُوزُ إعْتَاقُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْجَالِ مَقْصُودِهَا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى نِصْفَهَا يَعْتِقُ كُلُّهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ جَمِيعُهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَتَقَ جَمِيعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمَوْتِ، وَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي السِّعَايَةِ؛ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْغَصْبُ وَالْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، إنَّهَا لَا تُضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تُضْمَنُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُدَبَّرَةِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ هَلْ هِيَ مُتَقَوَّمَةٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا مَالٌ أَمْ غَيْرُ مُتَقَوَّمَةٍ؟ عِنْدَهُ غَيْرُ مُتَقَوَّمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوَّمَةٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوَّمَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا نَفْسٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُدَبَّرَ مُتَقَوِّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَرُبَّمَا تُلَقَّبُ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّ رِقَّ أُمِّ الْوَلَدِ هَلْ لَهُ قِيمَةٌ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ: أَنَّهَا تُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ إذَا غُصِبَ يَعْنِي إذَا مَاتَ عَنْ سَبَبٍ حَادِثٍ بِأَنْ عَقَرَهُ سَبْعٌ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَلَا شَكَّ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَكِتَابَتُهَا، وَمِلْكُهُ فِيهَا مَعْصُومٌ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَهُ لَمْ يُوجِبْ زَوَالَ الْعِصْمَةِ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالْمُدَبَّرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ رِقَّهَا مُتَقَوِّمٌ: أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ تَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ، فَلَوْلَا أَنَّ مَالِيَّتَهَا مُتَقَوِّمَةٌ لَعَتَقَتْ مَجَّانًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَخْذُ السِّعَايَةِ بَدَلًا عَنْ مَالِيَّتِهَا، وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَهَا، وَالِاعْتِيَاضُ إنَّمَا يَجُوزُ عَنْ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقَتْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَارِيَةَ لَمَّا وَلَدَتْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعَ وَالِاسْتِخْدَامَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا إجْمَاعَ فِي التَّقْوِيمِ، فَكَانَتْ حُرَّةً فِي حَقِّ التَّقْوِيمِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَكَذَا سَبَبُ الْعِتْقِ لِلْحَالِ مَوْجُودٌ وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الِاتِّحَادَ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ وَيَجْعَلهُمَا نَفْسًا وَاحِدَةً، فَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْعِتْقِ لِلْحَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ السَّبَبُ وَهُوَ التَّدْبِيرُ أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لِلْحَالِ لِضَرُورَةٍ ذَكَرْنَاهَا فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَيَّدُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ لَا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ، وَهَهُنَا الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي الْحُكْمَ لِلْحَالِ، وَالتَّأْخِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ لَثَبَتَ لِلْغَرِيمِ حَقٌّ فِيهَا وَلِلْوَارِثِ فِي ثُلُثِهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَسْعَى فِي ذَلِكَ كَالْمُدَبَّرِ، وَالسِّعَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ يَكُونُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهَا قَائِمٌ بَعْد الِاسْتِيلَادِ، وَالْعِصْمَةُ قَائِمَةٌ.
فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ وَالْعِصْمَةِ لَا يَقْتَضِي التَّقَوُّمَ كَمِلْكِ الْقِصَاصِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْخَمْرِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَأَمَّا أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي زَعْمِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَإِذَا دَانُوا تَقْوِيمَهَا يُتْرَكُونَ وَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ خُمُورُهُمْ مُتَقَوِّمَةً كَذَا هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ تُجْعَلُ مُكَاتَبَةً لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ مِلْكٌ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَيَسْتَخْدِمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِذْلَالِ بِالْمُسْلِمَةِ، وَلَا وَجْهَ إلَى دَفْعِ الْمَذَلَّةِ عَنْهَا بِالْبَيْعِ مِنْ الْمُسْلِمِ لِخُرُوجِهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ، فَتُجْعَلَ مُكَاتَبَةً وَضَمَانُ الْكِتَابَةِ ضَمَانُ شَرْطٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى كَوْنِ مَا يُقَابِلُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ثُمَّ إذَا سَعَتْ تَسْعَى وَهِيَ رَقِيقَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَسْعَى وَهِيَ حُرَّةٌ، وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتِذْلَالٌ بِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْحُكْمِ بِعِتْقِهَا إبْطَالُ مِلْكِ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ، وَتَتَعَلَّقُ دُيُونُهُ بِذِمَّةِ الْمُفْلِسِ، وَمِلْكُهُ مَعْصُومٌ،