كانوا مولعين بالتشبيهات والاستعارات والمجاز ممّا هو أبعد ما يكون من الأسلوب العلمي. والنظم يحبس ويضيّق، والخيال يطلق ويحلّق، فكان طبيعيًّا أن تبرز المادة العلمية في ثوب فضفاض من نسج الخيال، وتكثر ألوان المجاز والكنايات، والذي ينشد الحقائق العلمية المجرّدة يضلّ فيها ويتيه. فاضطرار النظم وإطلاق الخيال كانا يوسعان المجال للأسماء الكثيرة لشيء واحد في الكتب العلمية، وبذلك يتوعّر سبيل الوصول إلى ما فيها، فكان البيروني ينزعج بذلك ويضيق به ذرعًا، لأنّه لم يكن من أهل اللغة السنسكريتية، ولأن هذه الأسماء الكثيرة التي تعجّ بها كتبهم العلمية والتي لا حاجة لها ولا تأثير في حلّ المسألة تحول دون فهمها والاطلاع عليها.

فكان ينبغي له أن يفرّق بين الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي ويقول: إن الأسلوب العلمي يفسده النظم ويضادّه الخيال ولا يلائمه إلاّ التعبير القريب الموجز المباشر الذي توزن فيه الكلمات وزنًا دقيقًا، فلا حاجة فيها إلى حشد الأسماء الكثيرة لمسمّى واحد بل يضرّ بذلك بالغرض. ولكن البيروني خلط كخلط الهنود، وأطلق القول فأخطأ الصواب.

ولكن لم يستنكر البيروني كثرة الأسماء في كتاب الجماهر استنكاره في كتاب الهند، وإنّما نعى على علماء اللغة الذين حشدوا في المعاجم كل ما سمعوا من القبائل المختلفة للتبجّّح بوفرة ما عندهم، وربّما نحلوا الشعر للاستشهاد عليه، وبذلك نبّه على سبب من أسباب الاضطراب في المعاجم العربية فقال (104 - 105): "وأكثر أصحاب اللغة يجمعون المسموعات كلّ طائفة وقبيلة، ويعسرون بذلك على المستفيد ضبطها من غير فائدة لهم فيها سوى الإغراق في التفاخر والتكاثر حتى إنهم طرحوا الأمانة، وصاغوا للاستشهاد فيها شعرًا طوّقوا أهل المقابر وسمّوه بالأول والآخر عملًا بما قيل في الوصايا: إذا أردت أن تكذب فكن ذكورًا ولا تستشهد بحيّ حاضر يردّه عليك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015