نشتغل بذكر جميعها عجزًا مرة، واستثقالًا أخرى".

ولعلّك تستغرب هذا الرأي بعد ما علمت أنّ البيروني لم يكن فلسفيًا فحسب بل كان أديبًا وشاعرًا ولغويًا. وممّا يزيد الأمر غرابة أنّ البيروني لا يجهل أسباب تعدّد الأسماء وكثرتها، وقد أشار إلى بعضها في العبارة السابقة، فكيف يفنّد هذه الظاهرة التي تدلّ على مرونة اللغة وحيويّتها وتطوّرها وحدة ذكاء الناطقين بها ودقّة ملاحظتهم ورهافة شعورهم وخصب خيالهم وقدرتهم على التفنّن في التعبير والتصوير، ولذلك تعدّ من أكبر ميزات اللغة وخصائصها، ويحقّ لأهلها أن يفتخروا ويتبجّحوا بها. فكيف غمّ الأمر على صاحبنا العبقري؟ وما الذي حمله على هذا النقد الشديد؟

للإجابة عن هذا السؤال نرجع مرّة أخرى إلى كتاب الهند الذي يقول فيه البيروني عن كتب الهند: "وكتبهم في العلوم مع ذلك منظومة بأنواع من الوزن في ذوقهم، وقد قصدوا بذلك انحفاظها على حالها وتقديرها وسرعة ظهور الفساد فيها عند وقوع الزيادة والنقصان ليسهل حفظها، فإنّ تعويلهم عليه دون المكتوب، ومعلوم أنّ النظم لا يخلو من شوائب التكلّف لتسوية الوزن وتصحيح الانكسار وجبر النقصان، ويحوج إلى تكثير العبارات، وهو أحد أسباب تقلقل الأسامي في مسمّياتها، فهذا من الأسباب التي تعسّر الوقوف على ما عندهم" (?).

وقال في موضع آخر: "وكما أخبرنا أنّ كتب الهند منظومة بشعر، وبحسب ذلك يولعون بالتشبيهات والمدائح البديعة عندهم" (?).

يتبيّن ممّا نقلنا أولًا أن الهنود كانوا ينظمون كتبهم العلمية بأوزانٍ من الشعر ملائمة لذوقهم، ويرمون بذلك إلى أن يسهل حفظها على الذاكرة وبقاؤها على أصلها، فإذا اعتراه تغيير وتحريف دلّ عليه الوزن الشعري. وثانيًا أنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015