علي بن أحمد بن علي بن سلّك الفالي الأديب كانت له نسخة بكتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فباعها واشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين دينارًا وتصفحها فوجد بها أبياتًا بخط بائعها أبي الحسن الفالي وهي ... " وذكر الأبيات. وقال المحقق الدكتور إحسان عباس في الهامش: "زاد بعده في المطبوعة: (فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه الله تعالى) ولم يرد هذا في أصل المؤلف أو في سائر المخطوطات".

فهذه الرواية مختلفة عن رواية ياقوت من عدة وجوه: منها أن المشتري فيها الشريف المرتضى لا القاضي ابن بديل التبريزي، وأن ثمن الكتاب فيها ستون دينارًا لا خمسة دنانير، وأن موقف المشتري بعد اطلاعه على الأبيات لم يذكر هنا، فزيد في المطبوعة كما أشار المحقق.

ولكن أهم من ذلك كله أن الخطيب التبريزي في رواية ابن خلكان مجرد ناقل لا صلة له بأصل القصة، أما في رواية ياقوت فهو راوي القصة وشاهدها، بل موصول بكل جزء من أجزائها بوشائح قوية: فبائع النسخة شيخه، والمشتري بلديّه، وهو الذي استعارها منه لينسخ منها نسخة لنفسه، وهو الذي عثر في أثناء النسخ في بعض مجلداته على ورقة فيها أبيات الفالي بخطه، فذهب بها إلى المشتري، وأطلعه عليها، فتألم لأن الفالي قد مات 448 هـ.

ومن المستغرب أن ياقوتًا وابن خلكان كليهما أسندا روايتهما إلى الخطيب التبريزي، فلا بدّ من فساد إحدى الروايتين لاستحالة الجمع بينهما. فإذا رجعنا إلى ابن الجوزي الذي نقل بسنده المتصل قول الخطيب: "وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع الجمهرة لابن دريد ... " تأكدت لنا صحة رواية ياقوت، والحق أنه لا فرق بين رواية ابن الجوزي ورواية ياقوت إلا أن الأولى مجملة لأن اهتمام الراوي كان منصبًا على رواية الشعر فحسب، فألمح إلى القصة دون استقصاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015