ولكنك تعجب حين ترى في بعضها اشتغال هؤلاء العلماء بشيء من التعليلات الواهية والجدل العقيم، واسمع معي إلى قول ابن جني، متسائلا: لماذا رفع الفاعل ونصب المفعول؟ ثم يجيب بقوله: "لأن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد، وقد يكون له مفعولات كثيرة، فرفع الفاعل لقلته، ونصب المفعول لكثرته، وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون"1.

كما يقول ابن جني في موضع آخر: "لماذا يكثر الأصل الثلاثي في اللغة العربية، دون الرباعي والخماسي؟ الجواب هو: لأنه حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه، وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه فحسب، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه؛ لأنه أقل حروفا، وليس الأمر كذلك، وأقل منه ما جاء على حرف واحد ... فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه -لعمري- ولشيء آخر، وهو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه، وذلك لتباينهما، ولتعادي حاليهما، ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركا، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا؟ فلما تنافرت حالاهما، وسطوا العين حاجزا بينهما، لئلا يفجئوا الحس بضد ما كان آخذا فيه"2.

ويدلك على ما نقول كذلك، هذا الجدل العنيف، الذي يثيره ابن جني حول الحركة القصيرة، أهي قبل الحرف أو معه أو بعده؟ وبدلا من أن يلجأ إلى التجربة، أخذ يستخدم منطق أرسطو، في التدليل على أن الحركة القصيرة تقع بعد الحرف، مثلها في ذلك مثل حروف المد، وهي الألف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015