مدلول عليه بدليل ما من الأدلة الشرعية، ولا يعدو عمل فقهاء المسلمين ومجتهديهم البحث في مصادر التشريع الإسلامي، حتى ينكشف لهم حكم الله فيما يُعرض عليهم من مسائل، وفيما يجدّ للمسلمين من أحوال.

وهذه قضية ليست محل جدلٍ عند المسلمين، ولكن أعداء الإسلام يريدون تفريغه من مضامينه، ولا سيما ما يتعلق منها بالأحكام المنظمة لمعاملات الناس وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونحو ذلك، ويريدون إحلال أنظمتهم الوضعية محلها، ليوجدوا نوعاً من التشابه بين أوضاع المسلمين وبين أوضاعهم الخاصة والعامة، تمهيداّ للقضاء على الإسلام جذوراً وفروعاً، وقد وجدوا بينهم وبين تحقيق هذه الغاية سداً منيعاً، هو استمساك المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية، التي تتناول جميع حياة الناس، ففكروا وقدّروا، ثم عثروا على فكرة شيطانية خبيثة، وهي أن يفصلوا بين أحكام الدين المتعلقة بالعبادات، وأحكامه المتعلقة بالأحوال الشخصية، وأحكامه المتعلقة بالنظم الأخرى.

وأعداء الإسلام يدبّرون كلّ مكيدة للتخلّص من كلّ زعيم يعمل على نصرة الأمة الإسلامية، أو تطبيق الشريعة الإسلامية في بلده. ومع هذا الفصل أخذوا يدسون على المسلمين دسيستهم التي تتضمن تحوير مفهوم عبارة (الدين لله) وذلك بجعلها في معنى أن الأحكام الدينية هي الأحكام التي تتعلق بأمور العبادات، التي هي لله وحده، وأما الأحكام الأخرى التي تتعلق بتنظيم أحوال الناس الشخصية والعامة، المادية والأدبية، السياسية وغير السياسية، في السلم والحرب، فلا علاقة للدين بها، وما هي إلا أمور متروكة للناس ينظمونها كما يشاؤون، وقد سرت فعلاً هذه الفكرة المحورة في صفوف معظم المسلمين البعيدين عن دراسة الشريعة الإسلامية، باستثناء أحكام الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة وأمثال ذلك. وبسريان هذه الفكرة المحورة استطاع أعداء الإسلام أن يكسروا عدة جدُر من السور الإسلامي الكبير، الذي يحمي حصنهم الفكري المنيع.

وحملت هذه العبارة معنى لزم منه عدم اهتمام المسلمين بدار الإسلام، وبالحكم الإسلامي، حتى وجدنا جماهير المسلمين تبعاً لقادتهم السياسيين يردّدون بغباءٍ عبارة (الدين لله والوطن للجميع) وذلك في غمرة نشاط الثورات الوطنية لإخراج المستعمرين، والتي كان وقودها من شهداء المسلمين.

وانطلقت الجماهير تردد هذه العبارة المحورة في شطرها الأول، والمدسوسة في شطرها الثاني، وكأن أحكام الله في شريعته لا علاقة لها بالأوطان، ولا بتنظيم شؤون الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وعلى إثر هذا التحوير وبضغط من السلطان الأجنبية المعادية استطاعت النظم الوضعية الأوربية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعدلية أن تنفذ إلى معاقل المسلمين؛ وتحتل فيها احتلال المالك الأصلي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015