وأما القول الفصل الذي يردُّ على المانعين فنجد ذلك في الفتوى المفصلة التالية وهي من أوفى ما كتب في هذا الموضوع وهي من أحد العلماء المعروفين وهو الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة:

حكم المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين

يقول السائل: ما قولكم في فتوى بعض العلماء بأن المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين من البدع، وبأنها أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها، وأنها تصد الناسَ عن ذكر الله عز وجل، وأنها من الفساد في الأرض، أفيدونا؟

الجواب: المظاهرات من الوسائل المعاصرة للتعبير عن الرأي وإظهار المشاعر والأحاسيس، وإذا أردنا أن نعطي حكماً شرعياً للمظاهرات، فلا بد أولاً من تحرير محل النزاع كما يقول الفقهاء، حتى يكون كلامنا دقيقاً، فالمظاهرات التي أتكلم عليها هي المظاهرات التي تخلو من المحرمات والمخالفات مثل: اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرة، وخروج النساء متبرجات، ومثل الاعتداء على ممتلكات الناس كتحطيم السيارات والمحلات أو حرق المباني، واستخدام السباب والشتائم والهتاف بشعارات لا يقرها الشرع، ونحو ذلك من المخالفات التي تحدث في المظاهرات. إذا تقرر هذا فإن المظاهرات تضبطها القواعد الشرعية التالية:

أولاً: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة كما قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: [كلمةٌ جامعةٌ ومقالةٌ عامة وقضية فاضلة عظيمة المنفعة واسعة البركة يفزع إليها حملة الشريعة فيما لا يحصى من الأعمال وحوادث الناس] مجموع الفتاوى 2/ 535.

ومن المعلوم عند الفقهاء والأصوليين أن الأفعال داخلة في عموم القاعدة، قال العلامة العثيمين: [الأصل في الأشياء عموماً الأفعال والأعيان وكل شيء الأصل فيه الحل] القواعد الفقهية ص31،ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيءٌ يُنهى عن لنهى عنه القرآن) رواه البخاري ومسلم، قال العلامة ابن القيم: [وهو يدل على أمرين: أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحة ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله ... ] إعلام الموقعين 2/ 387.

وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: [وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة وهي التي نسميها (العادات والمعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} سورة الأنعام الآية 119،عامٌ في الأشياء والأفعال.

وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي وفيها جاء الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ) ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015