وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكر والفر، والقوة والضعف والتقدم والتقهقر. ومن المشاعر المصاحبة لها .. من الأمل والألم. ومن الفرح والغم، ومن الاطمئنان والقلق.

ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة .. ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة، وتدبير الأمور في جميع الحالات .. وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس.

من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله .. جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء

فالنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله. فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله.

قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا!

وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا، لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله.

وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.

وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه. عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ - قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا - فَقَالَ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (صحيح البخارى- المكنز [1/ 221] (123)).

كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا، ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار! وقد يبطئ النصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015