قَالَ: نَعَمْ، فَبِاللهِ يَا مَوْلاَنَا، مَا مَعْنَى قَوْلِه بِعَلاَمَةِ يَوْمِ حَارِمَ؟
فَقَالَ: لَمَّا التَقَينَا العَدُوَّ، خِفْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَانْفرَدْتُ، وَنَزَلْتُ، وَمَرَّغْتُ وَجْهِي عَلَى التُّرَابِ، وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي مَنْ مَحْمُوْدٌ فِي الْبَين، الدِّيْنُ دِيْنُكَ، وَالجُنْدُ جُنْدُكَ، وَهَذَا اليَوْمَ افْعَلْ مَا يَلِيْقُ بِكَرَمِكَ. قَالَ: فَنَصَرَنَا اللهُ عَلَيْهِم. [سير أعلام النبلاء للذهبي ط الرسالة 20/ 538]
----------
واسمعوا هذه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ابن تيمة في الميدان:
جاء التتار بجمعهم وجموعهم إلى الشام سنة 702هـ وأحاطوا بدمشق من كل مكان وأرجف المرجفون وبلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا، وتحالف العلماء والقضاة والأمراء في هذه المرة وابن تيمية على رأس الجميع يثبت القلوب ويعدهم بالنصر وكان يتأول قوله تعالى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}،وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنكم لمنصورون فيقول له بعض الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقا لا تعليقا، وأفتى الناس بالفطر إذ كانت هذه وقعة "شقحب" في رمضان وتردد بعض الجند في قتال هؤلاء لأنهم يزعمون أنهم مسلمون فأفتاهم ابن تيمية وبين حكم الإسلام فيهم وأنهم من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية حتى كان يقول هم:"إذا رأيتموني وأنا في ذلك الجانب - أي معهم - وعلى رأسي المصحف فاقتلوني"،وكان يدور على الجند والأمراء في الميدان فيأكل أمامهم ليبين لهم أنه مفطر ويروي لهم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عام الفتح:"إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم"،.
وطلب منه السلطان قبيل المعركة أن يقف معه وتحت راية مصر فأبى قائلا:"السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم".
بدأت المعركة والتحم القتال بين الفريقين ودارت رحى الحرب ومضى يوم كامل وهم في معركة دائرة حتى غطاهم الليل بسواده وهربت جيوش التتار واعتصمت بالجبال وبعد أن ظلت سيوف المسلمين تنوشهم من كل مكان وحاصرهم حصارا شديدا فقتلوا منهم أمما لا يحصى عددهم إلا الله تعالى.
وهكذا رأت جيوش التتار الهزيمة المنكرة ولأول مرة في تاريخها الطويل وحروبها المدمرة، حين وقف في وجهها أمثال الإمام العظيم ابن تيمية؛ والواقع أن ابن تيمية لم ينقذ الشام أو مصر فحسب من شرور هؤلاء، ولكن أنقذ العرب والإنسانية بكاملها حيث كانوا مخاف الشرق والغرب ........
[لمحات تاريخية من حياة ابن تيمية 6/ 124] وما بعدها
- - - - - - - - - - - - -