رحمك الله تعالى أيها الشاطبي، فما أشبه الليلة بالبارحة، فما حذرت منه في القديم قد وقع في شباكه لفيف من المتشددين المعاصرين، فأحدثوا فقها أملته عليهم الزنزانات وظلمات السجون، ورجحه عندهم أفكار قاصرة، وأفهام سقيمة، ولم يلقوا لفهم الأولين بالا، ولم يعيروه التفاتة واحدة، فاستقلوا فضلوا ورحم الله صاحب الخلاصة إذ يقول:

وقد تزاد كان في حشو كما ... كان أصح علم من تقدما

والحكم في الأمور العظام يتطلب مؤهلات علمية عالية، ولا توجد إلا في أفراد محصورين في كل عصر ومصر، ومن أهم ذلك معرفة المقاصد الشرعية التي لا يحيط بكنهها إلا الراسخون في العلم. يقول الشاطبي (?) (فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله) اهـ.

وهذا باب واسع دقيق لا يخوض غماره إلا أكابر العلماء، وكثير ممن تردى في مهاوي الغلو أتي من جهله بالمقاصد الشرعية، فخبط خبط عشواء وكأنما ركب متن ناقة عمياء، فضل السبيل، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015