قال الطبري (ت 310 هـ) رحمه الله: " وأرى أن الله تبارك وتعالى إنما وصفهم بأنهم وسط؛ لتوسطهم في الدين فلا هم أهل غلو فيه - غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه - ولا هم أهل تقصير فيه - تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به - ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها " اهـ (?) .

والمعنيان متداخلان، ولا تمانع بينهما، فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية (?) ؛ وذلك أن [الوسط في الأصل اسم لما يستوي نسبة الجوانب إليه كمركز الدائرة، ثم استعير للخصال المحمودة البشرية، لكن لا لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعواز والأوساط محمية محوطة؛ فإن تلك العلاقة بمعزل من الاعتبار في هذا المقام، إذ لا ملابسة بينها وبين أهلية الشهادة التي جعلت غاية للجعل المذكور، بل لكون تلك الخصال أوساطا للخصال الذميمة المكتنفة بها من طرفي الإفراط والتفريط؛ كالعفة التي طرفاها الفجور والخمود. وكالشجاعة التي طرفاها الظهور والجبن. وكالحكمة التي طرفاها الجربزة (?) والبلادة. وكالعدالة التي هي كيفية متشابهة حاصلة من اجتماع تلك الأوساط المحفوفة بأطرافها ثم أطلق على المتصف بها مبالغة كأنه نفسها، وسوى فيه بين المفرد والجمع، والمذكر والمؤنث رعاية لجانب الأصل كدأب سائر الأسماء التي يوصف بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015