فمصلحة الأول من بقاء الأجهزة لا تتجاوز حال ميئوس منه حسب كلام أهل الخبرة ومصلحة الثاني منها الشفاء من مرض من الممكن تداركه بإذن الله تعالى. يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة ص 347: " الشريعة الإسلامية مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان وأن لا يفوت منها شيء فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت. وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلباً للشارع".
والجواب أن القول بأنه يقدم أكملها وأهمها وأشدها طلباً للشارع، فهذا هو عين الدعوى وأصل منشأ الخلاف فأي المريضين في مسألتنا أشد طلباً للشارع؟.
رابعاً: استفادة المتأخر من الأجهزة معلومة واستفادة الأول منها مظنونة ومن المعلوم أن تقديم ما هو معلوم على ما هو مظنون أولى. يقول الغزالي في المستصفى 2/400 ـ 401: " وكذلك علة مركبة من وصفين أحدهما ضروري والآخر نظري أو أحدهما معلوم والآخر مظنون إذا عارضها ما هو ضروري الوصفين أو معلوم الوصفين؛ لأن ما علم مجموع وصفيه أولى مما تطرق الشك أو الظن بحكم العلة.
والجواب أننا نسلم أن استفادة المتأخر من تلك الأجهزة معلومة لكن عارضها معارض قوي وهو الإقدام على إلحاق الضرر بالآخرين، فلو كانت المصلحتان تخصان شخصاً واحداً لحصل الترجيح ومنه تقديم ما هو معلوم على ما هو مظنون لكن الحاصل أن كل مصلحة تخص شخصاً غير الشخص الآخر، وهنا يقال إن هذه من حقوق الآدمين وهي مبنية على المشاحة.
خامساً: إذا نظرنا إلى مصلحة المريض المتأخر من الأجهزة فإذا بها ظاهرة مع أن السابق قد لا يستفيد منها سوى بقاء حاله على ما كانت عليه فرفع الأجهزة عنه ووضعها على المريض المتأخر أولى؛ لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وهذا شبيه بقولهم: ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة وإن كان فساداً لها لما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح.