الحقوق الضرورية:

فأما القسم الأول من هذه الحقوق وهي الحقوق الضرورية، فمثاله حق الشفعة، فإنه ليس حقا ثابتا بالأصالة، لأن الأصل أن المتبايعين إذا عقدا بيعا عن تراض منهما، فلا حق للثالث أن يتدخل بينهما، ولكن الشريعة إنما أثبتت حق الشفعة للشريك والخليط والجار لدفع الضرر عنهم. وكذلك حق المرأة في قسم زوجها لها، إنما شرع لدفع الضرر عنها، وإلا فالزوج له الخيار في أن يتمتع بزوجته ويبيت عندها متى شاء. ويدخل فيه حق الحضانة، وولاية اليتيم، وخيار المخيرة وحكم هذا النوع من الحقوق أنه لا يجوز الاعتياض عنها، لا عن طريق البيع، ولا عن طريق الصلح والتنازل بمال.

والدليل عليه عقلا: أن الحق لم يكن ثابتا لصاحبه أصالة، وإنما ثبت له لدفع الضرر عنه، فإن رضي بإعطائه لغيره، أو تنازل عنه لآخر، ظهر أنه لا ضرر له عند عدمه، فيرجع الأمر إلى الأصل، وهو عدم ثبوت الحق له، فلا يجوز له أن يطالب على ذلك بعوض، كالشفعة إذا تنازل عنها الشفيع، ظهر أنه لا ضرر له في البيع الذي كان سببا لثبوت حقه فانتفى حقه في نقض ذلك البيع، ولا يجوز إذن أن يأخذ على ذلك مالا.

وكذلك حق القسم للمرأة كان لدفع الضرر عنها، فلما تنازلت عنه ظهر أنها لا تتضرر بترك القسم، فلا يجوز لها أخذ العوض على هذا التنازل. ومثله المرأة المخيرة من قبل زوجها بقوله " اختاري " لها الخيار في فسخ نكاحها منه دفعا للضرر عنها، فلو قالت: أختار زوجي وأبطل هذا الخيار بمال يعطيني، ظهر أنه لا ضرر لها في بقائها مع زوجها، فلا تستحق أخذ العوض على ذلك. وكذلك زوجة العنين لها أن تفسخ نكاحها من زوجها العنين لدفع الضررعن نفسها فإن رضيت البقاء معه بمال، ظهر أنها لا تتضرر ببقاء النكاح، فلا يجوز لها أخذ العوض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015