مقتضى عقد القرض، فينبغي أن يكون فاسداً.
ولم أرَ أحداً من الذين تكلموا عن الاستجرار من تعرض لهذا الإشكال. والذي يظهر لي أنّ هذا المبلغ دفعة تحت الحساب، وهي، وإن كانت قرضاً في الاصطلاح الفقهيّ، من حيث إنّه يجوز للمدفوع له أن يصرفها في حوائج نفسه، ومن حيث كونها مضمونة عليه، ولكنها قرض يجوز فيه شرط البيع اللاحق، لكونه شرطاً متعارفاً، فإن الدفعات تحت الحساب لا يقصد بها الإقراض، وإنما يقصد بها تفريغ ذمة المشتري عن أداء الثمن عند البيع اللاحق وأن يتيسر له شراء الحاجات دون أن يتكلف نقد الثمن في كلّ مرّة. فهذا قرض تعورف فيه شرط البيع. والشرط كلما كان متعارفاً فإنه يجوز عند الحنفية، وإن كان مخالفاً لمقتضى العقد، كما في شراء النعل بشرط أن يحذوه البائع.
ومن هنا نرى الفقهاء الذين أجازوا الاستجرار لم يفرقوا بين دفع الثمن مقدماً، وبين دفعه مؤخراً. قال ابن عابدين رحمه الله تعالى:
(قال في الولوالجية: دفع دراهم إلى خبّاز، فقال: اشتريت منك مئة منّ من خبز، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء، فالبيع فاسد وما أكل فهو مكروه، لأنه اشترى خبزاً غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولاً. ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمناء، ولم يقل في الابتداء: اشتريت منك، يجوز. وهذا حلال وإن كان نيته وقت الدفع الشراء، لأنه بمجرد النية لا ينعقد البيع، وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي، والآن المبيع معلوم، فينعقد البيع صحيحاً. اهـ. قلت: ووجهه أن ثمن الخبز معلوم، فإذا انعقد بيعاً بالتعاطي وقت الأخذ مع دفع الثمن قبله، فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالأولى) (?) .