أما كونه ثمناً مقدماً، فلا يصح إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون المبيع وقدره ووصفه معلوماً عند تقديم المبلغ إلى البائع. فإن الثمن إنما يعتمد البيع، ومن شرائط البيع أن يكون المبيع معلوماً بذاته ووصفه وقدره.
والشرط الثاني: أن يكون المبيع مما يجري فيه السّلم أو الاستصناع، وتتوفر في العقد شروط جوازه، على اختلاف في ذلك بين الفقهاء. وذلك لأن الشراء بثمن مقدم لا يكون إلا عن طريق السّلم أو الاستصناع، فيجب أن يفي العقد بشروطه.
والذي يُشاهد في الاستجرار أنه لا يوجد فيه هذان الشرطان، فإنّ الذي يدفع إلى البائع المبلغ ربما لا يعرف وقت الدفع ما سيشتري به حينا بعد حين. ولئن علمه فإنّه لا يمكن بيان قدر كل واحد من المأخوذ ووصفه وأجله في الوقت نفسه، فى تتوفر فيه شروط السّّلم، وربما لا تكون الأشياء مما تحتاج إلى صنعة حتى يتحقق الاستصناع.
وإن قلنا: إن المبلغ المدفوع أمانة في يد البائع، وكلّما أخذ المشتري منه شيئاً، صار جزء من المبلغ ثمناً للمأخوذ. فينبغي أن يكون المبلغ مودعاً عند البائع كما هو، ولا يجوز له أن يصرفه في حاجة نفسه، لأن الأمانة لايجوز التصرف فيها وهذا، على كونه مشكلاً، بل متعذراً من الناحية العملية، خلاف ما هو متعارف في الاستجرار، فإن الباعة في الاستجرار لا يحتفظون بالمبلغ المدفوع إليهم مقدماً، وإنما يسجّلون قدره في حساب المعطي، ثم يتصرفون فيه كيفما شاؤوا.
وإن قلنا: إن المبلغ المدفوع قرض أقرضه المشتري إلى البائع، فحلّ له استعماله، فالإشكال في أنه قرض مشروط فيه البيع اللاحق، فإن المشتري لم يقرض البائع على وجه الصلة، وإنما أقرضه ليقع به البيع في وقت لاحق، فصار البيع مشروطاً في عقد القرض، وهذا شرط يخالف