وهذا مثل ما يتعامل الناس مع باعة الصحف اليومية، وإن البائع يلقي الصحيفة اليومية كل صباح في بيت المشتري على أنه يحاسبه في نهاية الشهر على أساس سعره القطاعيّ. وربما لا يعرفه المشتري، ولكن السعر القطاعي منضبط معروف ولا يتفاوت لآحاد الناس. نعم، ربما يتغير السّعر في أثناء الشّهر، فيتغير لكل واحد من المشترين، فليس هناك مجال للنزاع في تعيين السّعر. فكلّما يلقي البائع صحيفة في بيت المشتري بأمره أو بإذنه، ينعقد البيع على أساس سعر السّوق. وتقع تصفية الحساب في نهاية الشهر. وهذا هو القسم الثاني من الاستجرار بثمن مؤخر.
وظهر بهذا التفصيل أن في الحالة الثانية من بيع الاستجرار ينعقد البيع عند أخذ المشتري المبيع كل مرّة إذا كان سعره معروفاً منضبطاً بمعيار معلوم يؤمن معه في تعيين الثمن. أما إذا لم يكن السعر معروفاً بهذه الصفة، فإنه لا ينعقد البيع عند الأخذ، ويصير حكمه مثل ما سيأتي في الحالة الثالثة:
أما الحالة الثالثة: فهي أن لا يكون الثمن معلوماً عند الأخذ، ولا يتفاوت المتبايعان في بداية تعاملهما على أساس منضبط لتحديد الثمن يؤمن معه النزاع، بل يتعاملان هملا، ولا يتعارضان للثمن أصلاً. وحينئذ، لاشك في أن الثمن مجهول عند أخذ الأشياء جهالة فاحشة ربما تؤدي إلى النزاع، فلا ينعقد البيع عند الأخذ، فتبقى هذه المعاملة فاسدة إلى أن يقع بينهما تصفية الحساب. ولكن ذكر المتأخرون من الحنفية أن هذه المعاملة تنقلب جائزة عند التّصفية إذا اتفقا على ثمن.
ثم ذكر بعضهم أن هذه المعاملة تصح عند التصفية بيعاً. فكأن بيع تلك الأشياء قد انعقد الآن بمعرفة ثمن كل واحد منها. ويستشكل هذا بأن كثيراً من الأشياء المأخوذة قد استهلكها المشتري بعد أخذها حتى انعدمت عند التصفية، فكيف يصح بيعها وهي معدومة؟ فأجابوا عنه بأنه وإن كان