مستقر فيبقى الثمن مجهولا بجهالة تقضي إلى النزاع.
ولكن هناك قسماً آخر من المبيعات، وهو الذي لا تتفاوت آحاده، ولا تتفاوت أسعاره، وإنها تنضبط بمعيار معلوم يعرفه كل أحد معلوم يعرفه كل أحد، ولا يحتمل أن يقع الخطأ أو النزاع في تطبيقه، والذين ذهبوا إلى الجواز إنما أرادوا هذا القسم، لأن ذكر مثل هذا المعيار المضبوط يقوم مقام ذكر الثمن، فليس فيه جهالة تفضي إلى النزاع. وإلى هذا المعنى يشير الإمام المحقق ابن الهمام رحمه الله حيث يقول:
(ومما لا يجوز البيع به: البيع بقيمته، أو بما حل به، أو بما تريد أو تحب، أو برأس ماله، أو بما اشتراه، أو بمثل ما اشترى فلان، لا يجوز ... وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع الناس، إلا أن يكون شيئاً لا يتفاوت كالخبز واللحم) (?) .
وذكر ابن عابدين مثله عن صاحب النهر الفائق، فقال:
(وخرج أيضاً ما لو كان الثمن مجهولاً، كالبيع بقيمته أو برأس ماله أو بما اشتراه فلان ... ومنه أيضاً ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس، إلا أن يكون شيئاً لا يتفاوت) (?) .
وهذا فيما أرى أعدل الأقوال وأوفق بالأصول المجمع عليها، فإنه لا مانع من جواز البيع بالسعر إلا جهالة الثمن التي تفضي إلى المنازعة، وإذا ارتفع احتمال المنازعة بتعين معيار منضبط ارتفع المانع، وجاز البيع. وقد ظهر اليوم أشياء كثيرة ينضبط ثمن مثلها بمعيار معلوم لا يحتمل وقوع النزاع في تطبيقه، وفي مثل هذه الأشياء يجوز العقد، ويجوز الاستجرار على أساس سعر السوق.