فهذا الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه، كان يأتي إليه الناس ليودعوا أموالهم عنده، ولا يقصدون بذلك مساعدة الزبير رضي الله عنه وإنما يقصدون كانوا حفظ أموالهم، ولكن لم يرض الزبير رضي الله عنه بقبول هذه الودائع إلا إذا أذنوا له بالتصرف في هذه الأموال على أن تكون مضمونة عنده، فكان يقول لهم: (لا، لكن هو سلف) (?) . فسمى العقد سلفا، وهو القرض، بالرغم من أن دائنيه لم يقصدوا إقراضه لمساعدته، وإنما قصدوا أموالهم لا غير. فظهر بهذا أن قصد حفظ المال لا ينافي كون العقد قرضا. والحق أن عقد القرض وإن كان عقد تبرع من حيث إن المقرض لا يستحق شيئا فوق مقدار ما أقرضه، ولكنه عقد مالي يعتمد على مصلحة الجانبين، فقد تكون مصلحة المقرض أن يؤجر على قرضه في الآخرة فقط (وذلك في القروض التي تقدم إلى المحتاجين بقصد مساعدتهم) وقد تكون مصلحته أن يصير ماله دينا مضمونا على المستقرض، وهذه هي المصلحة التي تدعو الناس إلى إيداع أموالهم في البنوك، ولولا هذه المصلحة لما رجعوا إلى البنوك لحفظ أموالهم. فتبين أنهم يقصدون الإقراض، غير أنهم في عامة الأحوال لا يعرفون أن ما يقصدونه يسمى إقراضا في الاصطلاح الفقهي، فلا يطلقون عليه كلمة الإقراض. وقد يقال: إن الودائع المصرفية من الحساب الجاري ليست قروضا، وإنما هي وديعة فقهية، غير أن أصحابها قد أذنوا للبنك بخلطها بالأموال الأخرى، واستخدامها لصالحهم، وإن مجرد هذا الإذن لا يخرجها من كونها وديعة، ولكن هذا التكييف لا يصح فقها. وذلك لأن صاحب المال إذا أذن للمودع بخلط الوديعة بماله، فإن العقد ينقلب إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015