والذي يظهر لي في هذه الصورة - والله سبحانه أعلم - أن الرجل الذي قفز أمام السيارة إن قفز بقرب منها بحيث لا يمكن للسيارة في سيرها المعتاد في مثل ذلك المكان أن تتوقف بالفرملة، وكان قفزه فجأة لا يتوقع مسبقا لدى سائق متبصر محتاط، فإن هلاكه أو ضرره في مثل هذه الصورة لا ينسب إلى سائق السيارة، ولا يقال: إنه باشر الإتلاف، فلا يضمن السائق، ويصير القافز مسببا لهلاك نفسه، وذلك لوجوه: أولا: لو قلنا بضمان السائق في هذه الصورة، لزم منه أنه لو عزم رجل على قتل نفسه، فقفز أمام سيارة أو قطار بقصد إهلاك نفسه، فإن السائق يضمنه، وهذا مخالف للبداهة. ثانيا: قد قررنا في القاعدة الثانية أنه يجب لتضمين المباشر أن تتحقق منه مباشرة الإتلاف بدون شك. وحيث كان تأثير المسبب أقوى من تأثير المباشر، أو انعدم اختيار المباشر بفعل رجل آخر، كما في مسألة نخس الدابة، فإنه لا يعد مباشرا للإتلاف، فلا يجب عليه الضمان.
ثالثا: إذا كان المباشر ملجأ من قبل الآخر، كما في صورة الإكراه، فإنه لا يعد مباشرا حقيقيا للقتل والإتلاف، وإنما ينسب الإتلاف إلى من أكرهه على ذلك، فصار كما إذا أكره رجل آخر على قتل نفسه، فقتله المكره في حالة الإكراه الملجئ، فلا ضمان على القاتل المكره، لأنه لا ينسب مباشرة القتل إلى المكره (بالفتح) بل لا تنسب مباشرة الإتلاف إلى السائق في مسألتنا بالطريق الأولى؛ لأن الإكراه لا يعدم القدرة على التحرز من الفعل الذي وقع الإكراه عليه، فيمكن للمكره أن يتحرز عن القتل على قيمة نفسه، ولذلك يستحق التعزير على قتله. بخلاف السائق في صورتنا، فإنه لم يبق له اختيار ولا قدرة على صيانة القافز من صدم السيارة.