أما إذا لم يكن متعديا في السير، بأن ساق سيارته ملتزما بجميع قواعد المرور، فهل يضمن الضرر الذي أصاب رجلا آخر بسيارته في هذه الحالة؟ قد اختلف فيها أنظار العلماء في عصرنا، فمنهم من يقول: إنه يضمن لكونه مباشرا، والمباشر يضمن ولو لم يكن متعديا. ومنهم من يقول: لا يضمن لأن ما يحدث بعد الالتزام بقواعد المرور حادثة سماوية لا يمكن الاحتراز عنها، والمباشر إنما يضمن فيما يمكن الاحتراز منه، لا فيما لا يمكن الاحتراز منه. والذي يظهر لي في ضوء القواعد والجزئيات الفقهية التي ذكرتها فيما قبل - والله سبحانه وتعالى أعلم - أن السائق يضمن الضرر الذي باشره، وإن لم يكن متعديا لأنه قد تقرر بإجماع الفقهاء أن المباشر لا يشترط لتضمينه أن يكون متعديا، ولكن يجب أن تتحقق منه مباشرة الضمان على الوجه الذي ذكرناه في تفسير القاعدة الثانية، فيجب لتضمينه أن تصح نسبة المباشرة إليه بدون مزاحم على وجه معقول. وعلى هذا الأساس لا يضمن في الصور الآتية:
1- إذا كان السائق يسوق سيارته ملتزما بجميع قواعد المرور، ولكن دفع شخص رجلا آخر أمام سيارته فجأة بحيث لم يمكن له أن يوقف السيارة قبل أن تدهسه، فدهسته السيارة. فهنا لا يضمن السائق، وإنما يضمنه الدافع، وهذا كما نخس أحد دابة فقتلت رجلا، فالضمان على الناخس دون الراكب؛ لأن نسبة المباشرة لا تصح إلى سائق السيارة في هذه الصورة؛ لأن تأثير الدافع ههنا أقوى من تأثير الراكب، أو كما قال صاحب الهداية: الدافع متعد، والسائق غير متعد.
2- إذا أوقف السائق سيارته أمام إشارة المرور منتظرا إشارة فتح الطريق فصدمته سيارة من خلفه ودفعتها إلى الإمام فصدمت سيارته أحدا، فليس الضمان على سائق السيارة الأمامية، بل الضمان على سائق السيارة