من أن يكون مسببا، ولكن الضمان هنا على المسبب دون المباشر، وذلك لأن تأثير فعل المسبب أقوى من تأثير المباشر، لكونه أصبح آلة في يد المكره. وكذلك قدمنا أن من نخس دابة مركوبة فوطئت رجلا، فإن الضمان على الناخس، دون الراكب، مع أن الناخس مسبب، والراكب مباشر في الظاهر، ولكن تأثير الناخس أقوى من تأثير الراكب في القتل، ولذلك قدم المسبب على المباشر.
إن هذه الجزئيات تبدو خارجة عن القاعدة الرابعة، ولكننا إذا تأملناها في ضوء ما قدمنا في القاعدة الثانية من تفسير المباشرة، وأن تحقق المباشرة بمفهومها الصحيح شرط للتضمين بدون التعدي، ربما يتبين أن الذي أطلق عليه لفظ " المباشر" في الأمثلة الثلاثة المذكورة، ليس مباشرا في الحقيقة، بحيث تصح نسبة الإتلاف إليه بوجه معقول، وإنه لم يضمن الإتلاف من هذه الجهة، لا من حيث أن المسبب مقدم على المباشر.
فإن من سقطت ساعته بإمساك الآخر ثوبه، لا يصح أن يسمى مباشرا لإسقاط الساعة؛
لأن المباشرة تقتضي عملا، وهذا الرجل لم يعمل شيئا، فيبقى الممسك سببا للإسقاط بدون مزاحم، وربما أنه متعد في الإمساك، فلا يبرأ من الضمان. وكذلك المكره (بفتح الراء) وإن كان مباشرا للقتل، ولكنه بحكم كونه ملجئا من قبل المكره (بالكسر) وآلة محضة في يد المكره، لم تعتبر مباشرته في إيجاب الضمان، وإن كان مباشرا لغويا.
ومثل ذلك يقال في الناخس، فإنه هو الذي سبب ركض الدابة التي خرجت عن قدرة الراكب، وصار الراكب لا فعل له ولا اختيار، فلا يصح أن يسمى مباشرا، فبقي المسبب بدون مزاحم، فنسب التلف إليه، وصار ضامنا.
ثم رأيت للعلامة خالد الأتاسي رحمه الله تعالى بحثا نفيسا في