فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المقترض لا يؤدي إلا مائة فلس، وإن كانت هذه المائة لا تساوي اليوم إلا خمسة دراهم.
لكن خالفهم أبو يوسف رحمه الله، فقال: إنما يجب أداء قيمة الفلوس المقترضة على أساس الدرهم، فمن اقترض مائة فلس في المثال المذكور، إنما يؤدي الآن مائتي فلس، لأن الفلوس فكة للدراهم، فمن اقترض مائة فلس، فكأنه اقترض فكة عشرة دراهم، وإن فكة عشرة دراهم يوم الأداء هي مائتا فلس، فالواجب عليه أداء مائتي فلس.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن أساس الخلاف بين أبي يوسف والجمهور مبني على اختلافهم في تكييف هذه الفلوس، فيبدو أن جمهور الفقهاء اعتبروا الفلوس أثمانا اصطلاحية مستقلة غير مرتبطة بالدراهم والدنانير ارتباطا دائما، فمن اقترض عددا من الفلوس، فإنه يؤدي نفس العدد دون نظر إلى قيمتها بالنسبة للدرهم، وأما أبو يوسف رحمه الله فاعتبر الفلوس أجزاء اصطلاحية كالفكة للدرهم، فالمقصود بالاقتراض عنده ليس عدد الفلوس، وإنما المقصود اقتراض أجزاء للدرهم يمثلها ذلك العدد من الفلوس، فلذلك أوجب رد تلك الأجزاء للدراهم في صورة الفلوس، وإن اختلف عددها من العدد المقترض.
ونظير الرخص والغلاء الذي يأتي فيه قول أبي يوسف هذا، أن الربية الباكستانية إلى أوائل الخمسينات كانت مقسمة على أربع وستين بيسة، (والبيسة نوع من الفلس) ثم اختارت الدولة النظام الأعشاري، فأعلنت أن الربية تكون مقسمة على مائة بيسة. فكانت البيسة قبل هذا الإعلان ثمن يساوي ثمن الربية، وصارت بعد هذا الإعلان عشر عشرها، فطرأ عليها الرخص بهذا القدر. فمن اقترض أربعا وستين بيسة قبل الإعلان هل يؤدي بعد الإعلان نفس الأربع والستين بيسة؟ أو يؤدي مائة؟ (?) الظاهر