فلا يصح البيع الأول، فكيف بالبيوع التي تتابعت على أساس هذا البيع الأول؟
وهنك احتمال آخر في التكييف الفقهي لهذا العقد، وهو أن هذا العقد ليس بيعا، وإنما هو وعد لبيع سلعة مخصوصة في تاريخ معين بسعر معين، والموعود له قد استحق شراء تلك السلعة بسعر متفق عليه في الوعد، ثم إنه يبيع هذا الحق إلى رجل ثالث، وثالث إلى رابع إلى أن يأتي يوم التسليم، ولكن هذا التكييف لا يصلح أن يكون مبررا شرعيا لهذه العملية فيما أرى، وذلك لوجوه:
أما أولا، فلأن الواقع لا يوافق هذا التكييف، فإن المتعاملين في سوق المستقبليات لا يدخلون في هذه العقود كوعد محض، وإنما يدخلون فيها لإبرام عقد البيع بنفسه، فلا يصح أن يسمى وعدا.
وأما ثانيا، فلأن الوعد المحض ليس ملزما في القضاء عند جمهور الفقهاء، ومن جعله ملزما في القضاء في بعض العقود، فإنه فعل ذلك لضرورة ملحة، ولا ضرورة ها هنا. وأما ثالثا، فلأن هذا الحق الذي حصل للموعود له ليس مما يجوز بيعه أو الاعتياض عنه، لأنه ليس واجبا حقا في القضاء، لأنه حق مجرد، وبيع الحق المجرد مما ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه إلا بشروط، وهي منتفية في هذا العقد. وقد يقال: إذا كانت العقود المستقبليات لا تجوز شرعا، فهل هناك من بديل لهذه المعاملة يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية؟ وجوابي عن هذا السؤال، أن البديل إنما يبحث عنه فيما إذا كان الغرض المنشود صحيحا، فيبحث عن البديل للحصول على ذلك الغرض بطريق مشروع.