وحاصل قول الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: أن علة النهي عن هذا البيع إنما هو تردد الثمن بين الحالتين، دون أن تتعين إحداهما عند العقد، وهذا يوجب الجهالة في الثمن، وليس سبب النهي زيادة الثمن من أجل التأجيل، فلو زالت مفسدة الجهالة بتعيين إحدى الحالتين فلا بأس بهذا البيع شرعا.
وإن ما ذكره الإمام الترمذي رحمه الله، هو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء (?) ، وهو الراجح بالدليل، لأنه ليس في القرآن والسنة ما يمنع جواز مثل هذا البيع، وإن تعريف الربا لا ينطبق على هذه الزيادة في الثمن، لأنه ليس قرضا، ولا بيعا للأموال الربوية بمثلها، وإنما هو بيع محض، وللبائع أن يبيع بضاعته بما شاء من ثمن، ولا يجب عليه أن يبيعها بسعر السوق دائما، وللتجار ملاحظ مختلفة في تعيين الأثمان وتقديرها فربما
تختلف أثمان البضاعة الواحدة باختلاف الأحوال، ولا يمنع الشرع من أن يبيع المرء سلعته بثمن في حالة، وبثمن آخر في حالة أخرى.
وبالتالي: فإن من يبيع البضاعة بثمانية نقدا، وبعشرة نسيئة، يجوز له الإجماع أن يبيعها بعشرة نقدا، ما لم يكن فيه غش أو خداع، فلم لا يجوز له أم يبيعها بالعشرة نسيئة؟ وبما أن هذه المسألة متفق عليها فيما بين المذاهب الأربعة المتداولة، وبين أكثر الفقهاء والمحدثين، فلا نريد الإطالة في بيان دلائلها من الكتاب والسنة، بل نريد أن ننطلق في هذا البحث على أساس جواز هذا البيع، ونذكر بعض التفاصيل والمسائل المتفرعة على هذا الجواز.1- الجزم بأحد الثمنين شرط للجواز:
قد تبين فيما سبق أنه لا بأس